الآخر، نظر: فإن كانت الدار واسعة، كان ذلك تفرقاً، وإن كانت الدار صغيرة، لم يقع التفرق إلا بالخروج منها أو الصعود إلى علوها.
وكذا السفينة إذا تبايعا فيها؛ فإن كانت صغيرة، لم يقع التفرق إلا بخروج أحدهما منها إلى الأرض، أو إلى سفينة غيرها، أو إلى الماء. وإن كانت السفينة كبيرة وقع الافتراق بقيام أحدهما من أحد جانبيها الذي تبايعا فيه إلى الجانب الآخر، كأنهما تباعيا في الصدر، ثم قام أحدهما إلى المؤخر، أو تبايعا في المؤخر ثم قام أحدهما إلى الصدر.
فأما إن تبايعا في سوق كبير، فقد قال الشافعي: فالتفرق: أن يولي أحدهما ظهره، قال أصحابنا: أراد بذلك أن يولي ظهره ويمشي قليلاً حتى يزايل موضع العقد في العرف، كما كان يفعل عبد الله بن عمر في بيوعه.
فأما إذا كانا في موضع تبايعهما ومجلس عقدهما، فبني بينهما حائط، لم يكن ذلك تفرقاً، لأن الحائط المبني حائل، والحائل لا يفرق بينهما، كما لو حال بينهما رجل بوقوفه.
فأما إذا قاما جميعاً عن مجلس تبايعهما، ومشيا مجتمعين، ولم يفترقا بأبدانهما، فهما على خيارهما، وإن طال الزمان وبعد. وحكي عن عبد الله بن الحسن العنبري: أن خيارهما قد انقطع بمفارقة مجلسهما. وحديث أبي برزة الأسلمي حيث أثبت الخيار للمتبايعين وقد غدوا عليه، وقوله لهما: ما أراكما تفرقتما عن رضا منكما ببيع دليل على أنه قد عقل معنى الافتراق عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -. فهذا الكلام في افتراق المتبايعين.
فصل
فأما حكم الافتراق في عقد البيع إذا تم بواحد، وهو الأب إذا ابتاع من ابنه الصغير لنفسه، أو باع عليه من نفسه بنفسه، ففيه وجهان:
أحدهما: وهو يحكى عن أبي إسحاق المروزي فيما علق عنه: أن حد الافتراق في بيعه أن يفارق مجلس بيعه الذي ابتاع فيه من ابنه إلى حيث لا ينسب في العرف إليه، فيكون ذلك تفرقاً يلزم به البيع.
الثاني: وهو قول جمهور أصحابنا: أن الخيار باق وإن فارق مجلسه، لأنه لا يصح أن يكون مفارقاً لنفسه، ويكون الخيار باقياً إلى بلوغ ابنه، أو يخير الأب نفسه عن ابنه، فيختار لنفسه وعن ابنه إمضاء البيع وقطع الخيار، فيلزم حينئذ البيع.
فأما إذا مات أحد المتبايعين قبل التفرق، فانتقل الخيار إلى وارثه، وإن كان غائباً، فله الخيار في موضعه الذي بلغه حيث كان، فإن زال عن الموضع، سقط خياره. وإن اختار أحدهما الفسخ والأخر الإمضاء، غلب الفسخ على الإمضاء؛ لأن موضوع الخيار الفسخ. ولا فرق بين أن يفترق المتبايعان عن قصد لقطع الخيار ولزوم البيع، أو غير قصد ناسيين. فهذا الكلام في حد الافتراق وحكمه وما يتعلق عليه من فروعه.
فصل
فأما التخيير القائم في قطع الخيار ولزوم البيع مقام الافتراق: