وإن كان المشتري موسراً، فقد كان أبو العباس بن سريج يخرج نفوذ عتقه على وجهين من اختلاف قولي الشافعي في عتق الراهن لعبده المرهون.
أحد الوجهين: أن عتقه باطل؛ لحجر البائع عليه. والثاني: أن عتقه جائز؛ لأن العتق لما سرى إلى غير الملك في حصة الشريك، كان وقوعه في الملك ورفعه لحجر البائع أولى.
وكان أبو الطيب بن سلمة، وأبو إسحاق المروزي، وأبو علي بن أبي هريرة، ينكرون تخريج أبي العباس، ويبطلون العتق وجهاً واحداً، لأن المشتري وإن كان على هذا القول مالكاً، فخيار البائع يوقع عليه حجراً والمحجور عليه في ماله لا ينفذ عتقه كالسفيه.
والفرق بين هذا وبينا الراهن حيث ينفذ عتقه في عبده المرهون على أحد القولين وإن كان عليه حجر للمرتهن، أن حق المرتهن متعلق بذمة الراهن، والرهن وثيقة فيه، فضعف حجره عليه، وليس كذلك البائع. فإن قيل: ببطلان عتق المشتري- وهو الصحيح- استرجع البائع عبده بالفسخ، ولم يلزم المشتري قيمة ولا ثمن، لبطلان العتق. وإن قيل: بنفوذ عتق المشتري فلا بد للبائع على العبد، لنفوذ عتقه، وصحة حريته. وعلى المشتري ضمانه للبائع، وفيما يضمنه به وجهان:
أحدهما: أنه يضمنه بالثمن المسمى، ويصير عتق المشتري مبطلاً لفسخ البائع.
الثاني: -وهو أصح- يضمنه بالقيمة؛ لأن بقاء الخيار، يثبت فسخ البائع، وفسخ البائع يوجب رفع العقد والثمن المسمى فيه، وإذا بطل العقد، صار المشتري مستهلكاً للعبد بغير عقد، فوجب أن يضمنه بقيمته كسائر المتلفات. فهذا حكم عتق المشتري.
فصل
فأما إذا فعل المشتري بالمبيع في وقت الخيار تصرفاً غير العتق، فعلى ثلاثة أضرب:
أحدها: ما يكون حكمه حكم العتق على ما مضى من إمضاء البائع دون فسخه، وذلك: الوقف، والتدبير، والوصية.
الثاني: ما كان مردوداً باطلاً على الأحوال كلها، سواء انفسخ البيع أو تم، وذلك: البيع، والإجارة، والرهن، والهبة.
الثالث: ما اختلف أصحابنا فيه، وذلك: الكتابة، ففيها وجهان: أحدهما: كالضرب الأول، فتكون كالعتق؛ لأنه يفضي إليه.
الثاني: أنه كالضرب الثاني، فيكون باطلاً؛ لأنه عقد معاوضة كالبيع.
وجميع ما ذكرنا من تصرف المشتري في المبيع بعتق كان أو غيره إذا كان بغير أمر البائع. فأما إذا كان بأمر البائع وعن إذنه، فجميعه نافذ ماض، ويكون تصرف المشتري بذلك عن إذن البائع اختياراً منهما لإمضاء البيع وقطع الخيار.
فإن قيل: أفيكون تصرف المشتري بما ذكرنا من العتق وغيره عن غير أمر البائع رضا منه لإمضاء البيع وقطع الخيار من جهته؟
قيل: لا يخلو حال تصرفه من أحد أمرين: إما أن يكون في خيار الثلاث. أو في خيار المجلس.