فإن كان تصرفه بما ذكرنا في خيار الثلاث، كان ذلك رضا منه لإمضاء البيع وقطع الخيار، ويكون خيار البائع باقياً؛ لأن خيار الثلاث لا يمتنع ثبوته لأحد المتبايعين دون الأخر، وكذا لو اختار إمضاء البيع بصريح القول، فقال: قد اخترت الإمضاء، انقطع خياره، ويكون خيار البائع باقياً له بحاله. وإن كان تصرفه بما ذكرنا في خيار المجلس، أو قال: قد اخترت إمضاء البيع: فإن قابله البائع بالإمضاء على الفور كان ذلك قطعاً لخيارهما: أما الأول: فبالتصرف الدال على الرضا من جهته، أو بصريح اختياره. وأما الثاني: فبمقابلته له على إجازة تصرفه.
وإن لم يقابله البائع بالإمضاء على الفور، بل أمسك عن الرضا، ولم يصرح في تصرفه بالاختيار. فلا يخلو تصرف المشتري من أحد أمرين: إما أن يكون مما يلزمه حكمه في الحال كالعتق والوقف والتدبير، فيكون ذلك قطعاً لخياره ورضاً للإمضاء من جهته ويكون خيار البائع باقياً.
وإنما بطل خيار المشتري؛ لأن بقاء خياره يمنع من لزوم حكم تصرفه، فلما كان حكم تصرفه لازماً له، أوجب سقوط خياره. وإن كان تصرفه مما لا يلزم حكمه في الحال كالبيع، والإجارة لافتقارهما إلى صريح الاختيار.
فقد اختلف أصحابنا فيه على وجهين:
أحدهما: وهو قول البغداديين: أنه يكون قطعاً لخياره، وإن كان خيار البائع باقياً، كما لو اختار قطع ذلك في خيار الثلاث.
الثاني: وهو قول البصريين وهو الصحيح: أنه لا يكون ذلك قطعاً لخياره، وإنما كان كذلك، لأن من حكم خيار المجلس أن يثبت للمتبايعين معاً، ولا يثبت لأحدهما دون الأخر، فلما كان الخيار باقياً للبائع وإن حدث من تصرف المشتري وقوله ما حدث، اقتضى أن يكون الخيار باقياً للمشتري وإن حدث من تصرفه وقوله ما حدث؛ ليكونا سواء فيما أوجب العقد تساويهما فيه.
وبهذا المعنى فارق خيار الثلاث حيث كان هذا التصرف من المشتري قاطعاً لخياره وإن بقي خيار البائع؛ لأن خيار الثلاث يجوز ثبوته لأحدهما دون الأخر. فهذا الكلام في عتق المشتري وتصرفه.
فصل
فأما عتق البائع للعبد المبيع في زمان الخيار، فنافذ على الأقاويل كلها، وليس للمشتري اعتراض وإن قيل: إنه قد ملك، والفرق بين عتق البائع- حيث نفذ على الأقاويل كلها- وبين عتق المشتري:
أن عتق البائع، فسخ، وعتق المشتري، إمضاء. وفسخ البائع مقدم على إمضاء المشتري، فلذلك نفذ عتقه، وإن لم ينفذ عتق المشتري.
وكذلك تصرف البائع بغير العتق ماض، ويكون فسخاً، كما لو آجر. أو رهن، أو وهب، أو وصى، أو وقف، أو دبر، كان جميعه ماضياً، وكان للعقد فاسخاً. وسواء كان البائع قد أقبض المبيع في زمان الخيار، أو لم يحصل القبض.