قال أبو العباس بن سريج: فلو كان البائع بعد أن تقابضا العبد المبيع، وهبه للمشتري في زمان الخيار، جازت الهبة، وافنسخ البيع، واحتاج المشتري إلى تجديد قبض الهبة؛ لأنه كان مقبوضاً في يده بالبيع لا بالهبة.
فإن مات العبد قبل تجديد القبض، مات على ملك البائع الواهب، لأن الهبة لم تتم قبل القبض، وكان مضموناً على المشتري بالقيمة دون الثمن، لأنه مضمون عليه بالفسخ، والهبة لم تتم بالقبض، فلم يسقط الضمان. وفي المسألة قول ثان، لم يحكه أبو العباس: أن العبد إذا كان في قبض الموهوب له، لم يحتج إلى تجديد قبض، وإنما تصح الهبة بالعقد وأن يمضي بعده زمان القبض.
فعلى هذا القول يكون العبد تالفاً من ملك المشترى، ولا ضمان عليه، لصحة الهبة.
فصل
إذا قال المشتري في خيار المجلس للعبد المبيع: إن تم العقد بيننا وانبرم فأنت حر. فهذا القول لا يمنعه من اختيار الفسخ، بخلاف ما مضى من تعجيل عتقه.
ثم ينظر: فإن انفسخ البيع بفسخ البائع، أو بفسخ المشتري، رجع العبد إلى البائع، ولم يعتق، فإن تم البيع وصح، عتق على المشتري، إن قيل: إنه قد ملك بنفس العقد، أو قيل: إنه موقوف مراعى، لوجود الصفة، وتقدم القول في ملكه. وإن قيل: إنه لا يملك إلا بالعقد والافتراق، لم يعتق عليه العبد، وإن وجدت صفة عتقه بتمام البيع؛ لأنه علق قوله بالعتق في زمان لم يكن له ملك، فجرى مجرى قوله لعبد غيره: إن ملكتك فأنت حر، فملكه، لم يعتق عليه لقوله - صلى الله عليه وسلم -: "لا عتق قبل ملك".
فلو كان المشتري قال: إن انفسخ البيع بيننا فأنت حر، لم يعتق عليه، وإن حصل الفسخ، لأنه بالفسخ قد صار في ملك غيره، وإن تم البيع فأحرى أن لا يعتق، لأن تمام البيع ليس صفة لعتقه. فلو كان البائع، قد قال في زمان الخيار للعبد المبيع: إن انفسخ البيع، فأنت حر، فانفسخ البيع إما بفسخه أو بفسخ المشتري، عتق على البائع على الأقاويل كلها، لأنه كان عند عقد الصفقة بعتقه ممن يصح منه تعجيل عتقه، وقد وجدت الصفة في ملكه. فلو كان البائع قال: إن تم البيع فأنت حر، فتم البيع، لم يعتق عليه، لوجود الصفة في غير ملكه.
فصل
إذا اشترى من يعتق عليه بالملك من والد أو ولد، جاز أن يشتريه مطلقاً من غير اشتراط خيار، فيثبت فيه خيار المجلس بالعقد ولا يثبت فيه خيار الثلاث لفقد الشرط، ويجوز أن يشتريه مقيداً بشرط خيار الثلاث، فيثبت فيه خيار المجلس بالعقد، وخيار الثلاث بالشرط، فإن أراد البائع فسخ البيع في مدة الخيار، فذلك له على الأقاويل كلها، سواء كان في مدة خيار المجلس أو خيار الثلاث.
ويفارق استئناف المشتري عتق الأمة في مدة الخيار، حيث كان مانعاً من فسخ البائع في تخريج أبي العباس على أحد الأقاويل؛ لأن العتق إنما يقع في هذا الموضع حكماً