للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ولأنه معنى يسقط التكليف، فوجب أن لا يقطع الخيار المستحق كالجنون. ولأن كل خيار لا ينقطع بالجنون لا ينقطع بالموت كخيار العيب. ولأن الخيار من حقوق الملك لا من حقوق العقد، بدليل ثبوته بعد تقضي العقد، فوجب إذا انتقل الملك إلى الوارث أن ينتقل إليه بحقوقه كالرهن المشروط في حقه. وفي هذا الاستدلال انفصال.

فأما الجواب عما ذكروه من قياسهم على خيار القبول: فهو أن المعنى في خيار القبول أنه لما بطل بالجنون، بطل بالموت، على أن من أصحابنا من يقول: لم يبطل بالموت، وإنما بطل بالتراخي ومن شروط صحته أن يكون على الفور، وهذا قول أبي القاسم الداركي.

حتى قال: لو كان الموت عقيب البذل، فقال الوارث في الحال: قد قبلت، صح العقد، إذا لم يقع التراخي بين بذل البائع وقبول الوارث. وهذا قول يخالف الإجماع. والجواب الأول: هو الصحيح.

وأما الجواب عن قياسهم على الأجل: فالمعنى فيه: أن الموت لما أتلف الذمة التي أثبت فيها الدين المؤجل، أبطل الأجل، لتلف محله، ولم يجز أن ينتقل الدين بأجله إلى ذمة الوارث، لأن صاحب الدين لم يرض بذمته. وليس كذلك الخيار، لأنه مستحق في المبيع الموجود بعد الموت، كوجوده قبل الموت، فجاز أن لا يبطل بالموت، ألا ترى أن موت من له الدين لما لم يكن متلفاً للذمة التي يثبت فيها الأجل لم يكن موته مبطلاً للأجل.

وأما الجواب عن قولهم: لأنه مستحق بالشرط، فوجب أن يكون مقصوراً على من له الشرط: فهو أنه باطل بالصفة المشروطة في المبيع، وهو أن يبتاع عبداً على أنه صانع فيوجد غير صانع فللوارث الخيار في فسخ البيع، لعدم الصفة المستحقة بالشرط وإن كان الشرط لغيره، على أن الخيار حق عليه فلم يصح إعراضه في اختلاف مستحقيه كالدين.

فصل

فإذا ثبت أن خيار الثلاث موروث. فإن كان الوارث واحداً، كان بالخيار في مدة الخيار بين إمضاء البيع في المبيع كله أو فسخ جميعه. وإن كانوا جماعة: فإذا اتفقوا على إمساك المبيه كله أو رد جميعه، فذاك لهم. وإن أراد بعضهم الرد وبعضهم الإمساك؟ فمذهب الشافعي: أنه ليس لهم ذلك، وقيل لمن أراد الرد: لا حق لك في الرد إلا أن يرد الباقون معك، لأن الصفقة واحدة، فلم يجز تبعيضها على البائع.

وفيه وجه آخر أنه يجوز لكل واحد من الورثة أن ينفرد برد حصته دون شركائه، لأنه يرد جميع ما استحقه بالعقد، فصار في حكم المشترين صفقة. هذا كله إذا كان الميت هو المشتري. أما إن كان الميت هو البائع، فلكل واحد من ورثته أن ينفرد، فيفسخ البيع في حصته، لا يختلف فيه المذهب بخلاف ورثة المشتري، وإنما كان كذلك، لأنه إذا فسخ بعض ورثة البائع في حصته، ثبت للمشتري خيار الفسخ في الباقي، لتبعيض الصفقة، فأمكنه دفع الضرر عن نفسه. وليس كذلك إذا مات المشتري فأمسك بعض ورثته ورد بعضهم، لأن البائع لا يثبت له بذلك خيار يمكنه أن يدفع به الضرر عن نفسه.

<<  <  ج: ص:  >  >>