والثالث: وبه قال أبو حنيفة والمزني: لا يرده أصلاً ولكن يرجع عليه بأرش قيمته صحيحاً فاسداً وبين قيمته صحيحاً غير فاسد إلا أن لا يكون لفاسده قيمة أصلاً مثل بيض الدجاجة فيرجع بجميع الثمن لأنه باع ما لا يجوز بيعه، وبان بطلان البيع لأنه باع ما لا قيمة له كالخنافس والديدان، وقال بعض أصحابنا بخراسان: رجع بجميع الثمن لا يحكم فسخ البيع بل يحكم أن أرشه جميع الثمن، والفاسد يكون للمشتري فعليه نقله إلى المزبلة إن احتيج إلى تفريغ المكان وهذا غلط والصحيح [١٦٩/ أ] ما ذكرنا. وقال مالك وأحمد في رواية: ليس له الرد ولا الأرش واحتج بأن البائع لا يعلم بعيبه فلا تدليس من جهته فلا يرد من جهته وهذا غلط، لأن عقد البيع يقتضي السلامة كما في الثوب. واحتج المزني على ما اختاره بأن قال: هذا عندي أشبه بأصله لأنه لا يرد الرابح مكسوراً كما لا يرد الثوب مقطوعاً فيقال له: أما رد الرابح فعلى القولين غير أن الشافعي ربما يجيب على أحد القولين وربما ينص عليهما، ولو كان في الرابح بقية يمكن الوقوف على عيبه منها من غير كسر، فإذا كسر لا يرد لأنه لا ضرورة به إليه. وقيل قال المزني: هذا أشبه بأصله أن لا يرد الرابح بغير الكاتب فكتب لأنه لا يرد. أما الثوب مقطوعاً لا يشبه الجوز مكسوراً لأن كسر الجوز سبيل إلى التوصل إلى معرفة علامته بخلاف قطع الثوب.
ومن أصحابنا من رتب ترتيباً آخر فقال: هل له الرد؟ قولان فإذا قلنا: له الرد هل عليه أرش الكسر؟ قولان. وإن كان مما يمكن الوقوف على عيبه بغير كسره كالرمان تعرف حموضته بأن تغرز فيه [١٦٩/ ب] إبرة والبطيخ تعرف حموضته بمثل ذلك أو قريب منه بكسره فهذا بمنع الرد قولاً واحداً لأنه يمكن معرفة العيب بأقل منه، ولهذا لما لم يمكن معرفة الدود في البطيخ إلا بالكسر فقطع القطعة منه لا يمنع الرد وعلى هذا يرجع بأرش العيب. ومن أصحابنا من قال فيه الأقاويل أيضاً. لأن ذلك القدر يتعذر ضبطه وهذا ضعيف.
فرع
لو اشترى ثوباً مطوياً على طاقين فرأى جميع الثوب من جانبيه يجوز فإن نشره ثم وجد به عيباً ينظر فإن كان مما ينقص بالنشر فلا يخلو إما إن كان يمكنه أن يحمل إلى أهل الخبرة به لينشره نشراً لا ينقصه فنشره بنفسه فنقصه فليس له رده، وإن كان لا يمكن أحداً نشره إلا بإلحاق نقص هـ فإن هذا القدر من النقص هل يمنع الرد؟ على ما ذكرنا من الأقاويل، وإن كان يمكنه الوقوف على العيب بدون النشر الذي ينقص قيمته نشراً ينقص فالصحيح أنه يمنع الرد وفيه قول آخر: وليس بشيء، وإن كان مما لا ينقص بالنشر أصلاً كالكتان ونحوه فلا [١٧٠/ أ] تمنع الرد أصلاً.
فرع آخر
لو كانت شاة فوجد بها عيباً فساقها ليردها فحلبها في الطريق وهي سائرة ولم يقفها للحلب قال أصحابنا: لا يبطل الرد، وإن أوقفها للحلب بطل الرد لأن المنفعة للمشتري فإذا استوفاها من غير ترك الرد وحبس الأصل لا يمتنع الرد.