الزوجان في النكاح في البداية بالتسليم لا يجيء فيه إجبار الزوجة على تسليم نفسها؛ لأن البائع إذا سلم المبيع يمكن أن يحجز على المشتري والزوجة إذا سلمت نفسها لا يمكن منع الزوج من الاستمتاع فيصير تسليم نفسها مبطلاً لحقها.
فإذا تقرر هذا وقلنا بالقول الأول وهو ظاهر المذهب لا يخلو إما أن يكون المشتري واجدًا للثمن أو غير واجد، فإن كان غير واجد مثل أن يكون مفلسًا محجورًا عليه فهو كالمفلس يشتري سلعةً وأفلس بالثمن قبل قبضه فللبائع فسخ البيع.
ومن أصحابنا من قال: تباع عليه السلعة ويقضي دينه من ثمنها، فإن كان وفق ما عليه فلا كلام، وإن كان أكثر أخذ الفضل [ق ٢٠ ب] وإن كان أقل كان عليه ما بقي وهذا ليس بشيء، وإن كان واجد الثمن وهو أن لا يكون مفلسًا محجورًا عليه فلا يخلو الثمن إما أن يكون معه في المجلس حاضرًا فيأمره بالدفع إليه، وإن كان الثمن في البلد ولكنه غائب عن المجلس، فقال: أذهب فأحمله إليه، فإن الحاكم لا يدفع إليه المبيع ويحجر عليه فيه، وفي سائر أمواله حذرًا من أن يبيعه ويتلف سائر ماله فلا يصل البائع إلى حقه، فإذا أحضر الثمن فات الحجر عنده وسلم السلعة إليه، وينبغي أن يشهد على حجر المشتري ووقف السلعة كما يشهد على سائر ماله، وإن كان الثمن غائبًا عن البلد، فإن كان على مسافة يقصر فيها الصلاة لا تسلم إليه السلعة، ولا ينظر إلى أن يحمل الثمن؛ لأن في ذلك إضرارًا بالبائع وفيه وجهان:
أحدهما: يكون بمنزلة المفلس له فسخ المبيع أو الصبر إلى حين إحضار الثمن.
والثاني: لا يكون حكمه حكم المفلس لوجود المال وإن بعد فيبيع الحاكم السلعة ويوفي البائع حقه من ثمنها.
قال ابن سريج: واختلف أصحابنا في المفلس حتى يثبت للبائع الرجوع في غبن ماله، فمنهم من قال: إذا لم يف قيمة السلعة مع سائر ماله بديونه فإن كان له ما إذا انضم إلى ماله يفي [ق ٢١ أ] بالديون لا يرجع في عين المال، بل تباع السلعة وتقضي ديونه، ومنهم من قال: ينبغي أن يكون ماله سوى قيمة هذه السلعة وفاء بالدين، فإن لم يكن فالبائع أحق بعين ماله. وكلام الشافعي ههنا يدل على هذا الوجه، وإن كان الثمن على مسافة لا تقصر فيها الصلاة فيه وجهان:
أحدهما: الحكم فيه كما لو كان في البلد.
والثاني: الحكم فيه كما لو كان على مسافة تقصر فيها الصلاة؛ لأن على البائع ضرراً في أنظاره.
وقال في "الحاوي": إن كان على مسافة ثلاثة أيام لا ينتظر ويصير كالعسر، وإن كان على مسافة أكثر من يوم وليلة وأقل من ثلاثة أيام وجهان: