فإذا تقرر هذا، قال بعض أصحابنا بخراسان: في هذه المسألة المخصوصة دليل على أن الرجل إذا كان عليه دين وماله أكثر من الدين جاز للحاكم أن يحجر عليه إذا طلب الخصم الحجر، وهو ظاهر المذهب بين أصحابنا؛ لأن الشافعي -رحمه الله تعالى -أمر بالحجر على المشتري لما وجب عليه ثمن السلعة، ومعلوم أن هذه السلعة ماله وله مال غائب غيرها، فماله في الظاهر أكثر من دينه، وقد حجر عليه [ق ٢١ ب] وسيأتي كلام الشافعي دلالة على أن للحاكم أن يحجر على المشتري من غير أن يطلب البائع ذلك الحجر؛ لأنه قال:"فَإنْ غَابَ مَالَهُ أُشْهِدَ عَلَى وَقْفِ مَالِهِ وَأُشْهِدَ عَلَى وَقْفِ السِّلْعَةِ"؛ ولم يشترط أن يستدعي على البائع هذا الوقف، وهذا الحجر، فيحتمل أن يكون مراده إذا طلب البائع الحجر فعلى الحاكم أن يحجز، لأنه حق البائع فليس للحاكم طلب ما لم يطلب مستحقه، ويحتمل أن يحجر عليه في هذه المسألة خاصة من غير استدعاء البائع لمعنيين اثنين:
أحدهما: أن الخصومة وقعت عند الحاكم واطلع عليها وعرف عواقبها، فله أن يسد على الخصمين طريق المخاصمة في المستقبل فيحجر على المشتري ليصل إلى البائع حقه وينقطع عند الحكم توابع خصومتها.
والثاني: أن الحاكم إذا أجبر البائع على التسليم نظر للمشتري فلذلك يجب أن يفطن للبائع ما أمكنه ومما يمكنه أن يطالبه بالثمن في المجلس إن كان حاضرًا، ويحجر عليه إن كان ماله غائبًا، وإن لم يسأله البائع الحجر، ولو أجبر البائع ثم لم ينظر بهذا الحجر بمحض نظره لأحدهما دون الآخر، وذلك مما لا يسوغ له، فلهذا المعنى والله أعلم شاع هذا الحجر من غير استدعاء الخصم [ق ٢٢ أ].
فرع
لو باع عبدًا بألف فلما تم البيع هرب المشتري قبل قبضه، فإن كان المشتري محجورًا عليه كان البائع أحق بعين ماله، وإن لم يكن له مال باع الحاكم العبد، وإن كان ثمنه مثل الثمن الأول دفعه إليه، وإن كان أكثر حفظ الفضل له، وإن كان أقل يتبع المشتري بالباقي.
فرع آخر
لو دفع المشتري نصف الثمن، وقال للبائع: أقبضني بقدر ما قبضت مني من الثمن فيه وجهان:
أحدهما: يلزمه إقباض نفس المبيع، لأن الثمن مقسط.
والثاني: وهو المذهب لا يلزمه إقباضه ما بقى عليه من الثمن شيء، لأنه محبوس