وهذا كما قال، الإردب شيء من مكيال العرب بلغة مصر وهو أربعة وستون منًا ويكون أربعة وعشرين صاعًا، والفضل نصف ذلك والصبرة الكومة المجموعة من الطعام سميت [ق ٣٦ أ] صبرة لإفراغ بعضها على بعض والكر ستون قفيزًا، والقفيز ثمانية مكاكيك، والمكوك صاع ونصف، وهو ثلاث كيلحات، والفرق ثلاثة آصع، وفي الصبرة مسائل كثير:
إحداها: ما ذكره أنه إذا باع وأشار إليها يصح البيع، ورؤية ظاهرها مغنية عن رؤية باطنها؛ لأن الظاهر أن أجزائها متساوية وفي تقليبها والنظر إلى جميعها مشقة ظاهرة، ويخالف الثوي المطوي لا يصح بيعه إذا لم ينشره، لأن طرفي الثوب يختلفان في العادة، ولأن الصقالة والعصارة على ظاهره دون باطنه فلا يكون النظر إلى ظاهره مغنيًا عن النظر إلى باطنه، وقد بيّنا أنه إن وجدها قد دلس البائع فيها، بأن جعل تحتها طعامًا رديًا أو مبلولًا، أو جعلها على نشز من الأرض فللمشتري الخيار بين أن يمسكها بكل الثمن أو يردها.
وقد روي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم مر بسوق الطعام فرأى طعامًا فأدخل يده فيه فرأى تحته نديًأ فأظهر النداوة، وقال: هكذا تبيعوا من غشنا فليس منا". وروي أنه قال: "أمرني جبريل صلى الله عليه وسلم أن أدخل يدي فيه".
وإن كانت مصبوبة في بركة أو بئر ووهدة من الأرض ولم يعلم البائع [ق ٣٦ ب] فالبائع بالخيار بين الإجازة والرد.
وقال مالك -رحمه الله -إن علم البائع قدرها لا يجوز بيعها .. واحتج بما روى الأوزاعي -رحمه الله -أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "من علم كيل طعام فلا يبعه حتى يبينه" وهذا غلط لأنه شاهد البيع ولا يفتقر إلى معرفة كيله كما لو يعلم البائع.
وأما الخبر فمرسل، وإن صح حملناه على الندب.
والمسألة الثانية: أن يقول: بعتك هذه الصبرة كل قفيز منها بدرهم فالبيع جائز؛ لأن الصبرة معلومة بالمشاهدة والثمن معلوم في التفصيل ويعلم قدر مبلغه من غير أن يرجع إلى المتعاقدين، فهو كما لو باع سلعة برأس المال، وهو مائة، وربح مائة في كل عشرة أو دابرة كل درهم يصح كذلك ههنا، وبه قال مالك، وأحمد، وأبو يوسف، ومحمد -رحمهم الله-.
وقال أبو حنيفة -رحمه الله -: يصح في قفيز واحد دون الباقيز
الثالثة: أن يقول: بعتك ربع هذه الصبرة أو ثلثها أو سدسها يصح البيع لأنه جزء معلوم بالمشاهدة.
الرابعة: أن يقول: بعتك من هذه الصبرة عشرة أقفزة كل قفيز منها بدرهم، فإن علم أن الصبرة عشرة أقفزة أو أكثر يصح، وإن لم يعلم ذلك لا يصح لا يعلم وجود البيع [ق ٣٧ أ].