أَنْ يَبِيعَ لَهُ عِقَارًا إِلاَّ لِغِبْطَةٍ أَوْ حَاجَةٍ".
الفصل: وهذا كما قال: يستحب للوصي وغيره أن يشتري لليتيم عقارًا لما ذكرنا.
قال أصحابنا: ويشتريه من بائع ثقة أمين يؤمن أن يجحد الثاني أو يحتال في إفساد المبيع، بأن يكون أقرَّ لغيره قبل البيع، ويكون في موضع الغالب منه السلامة، فلا يكون بقرب الماء الذي يخاف عليه عند الزيادة، ولا بالقرب من المعترك بين الطائفتين مثل العقار [ق ٧١ أ] الذي يقرب القنطرة ببغداد فإنها تخرب كل وقت فلا يكون لليتيم فيه حظ، وله أن يتبنى لليتيم عقارًا؛ لأنه إذا جاز شراؤه جاز بناؤه.
قال الشافعي رحمة الله عليه: وإذا بناه بناه بطين وآجر ولا بلبن وطين؛ لأن الجص والآجر لا مرجوع له، وإذا انهدم بعضه ضرب كله، واللبن والطين قليل البقاء، وينتفع بالآجر بعد الانهدام إذا كان بالطين ويقوم الطين مقام الجص، وهو أقل مؤنة منه.
وقال في "الحاوي": لا وجه لهذا التحديد؛ لأن لكل قوم عرفًا، ولكل بلد عادة، فمن البلاء ما لا يستحكم فيه البناء إلا بالحجارة والنورة، أو بالآجر والجص، أو باللبن والطين، أو بالخشب الوثيق فيفعل بما جرت به العادة في ذلك البلد.
وحكي ما ذكرنا عن أصحابنا لا عن الشافعي، وهذا حسن صحيح.
وإذا تقرر هذا ليس له بيع عقاره؛ لأَنَّا إذا أمرناه بشراء ما لم يجز بيعها.
قال الشافعي رحمة الله عليه: إلا في موضعين؛ أحدهما الغبطة، والثاني للحاجة.
والغبطة: أن يشتري له عقارًا آخر ويستفضل له من الربح فضلًا ظاهرًا، مثل أن يكون له في شركة إنسان سهام، أو في جواره وهو راغب فيه ليضيف ملكه، أو يتلخص من سوء مشاركته فيعطيه أكثر من ثمنه.
والحاجة: أن لا يكون له غيرها وبه حاجة إلى النفقة في الحال، أو يخاف غرقها أو خرابها [ق ٧١ ب] بالفتنة، أو كان اليتيم بطبرستان، وعقاره بخراسان ويحتاج إلى مؤنة في توجه من يجمع الغلة أو يأخذها فيبيعها ويشتريها بطبرستان، أو يبني فيها مثل ذلك.
فإن قيل: ما الفائدة في تخصيص العقار بالغبطة والحاجة ومعلوم أن الوصي لو أراد بيع مال اليتيم وداره لا يجوز ذلك إلا بالغبطة أو الحاجة؟
قيل: مراد الشافعي غبطة دون غبطة، وحاجة دون حاجة، وذلك أن الوصي لو أراد بيع ثيابه لربح يسير وغبطة خفية كان له ذلك، وليس له بيع عقار إلا بربح كثير مستعظم وغبطة ظاهرة، فكذلك التفصيل في الحاجة، فربما يباع منقول به حاجة يسيرة ولا يباع عقاره إلا في حاجة ثابتة وضرورة غالبة، فهذا معناه.
فإذا تقرر هذا فباع شيئًا من عقاره أو أثاثه الذي للقنية، فإن ثبت عند الحاكم أنه بيع حظ وغبطة أنفذه، وإن لم يعلم فهل ينفذه أم لا؟ فإن كان الولي يلي بلا تولية كالأب والجد يلزم