ومن أصحابنا من قال: يصح الرهن ويبطل التدبير، وهو اختيار المزني، فحصل أربعة طرق. واحتج المزني بأن الشافعي قال: لو دبر عبده ثم وهبه هبة بتاتٍ بطل التدبير أقبضه أو لم يقبضه، والهبة قبل القبض كالرهن سواء. قلنا: قال أصحابنا: إذا وهب وامتنع من إقباضه يبني على القولين. فإن قلنا وصية كان رجوعًا عن التدبير. وإن قلنا: عتق بصفةٍ لا يكون رجوعًا عن التدبير. ومن أصحابنا من قال: يكون رجوعًا عن التدبير على القولين.
والفرق على قول من لا يقول بهذه الطريقة إن الرهن ليس بإزالة الملك وإنما هو وثيقة للمرتهن، والهبة تتضمن إزالة الملك بانضمام القبض إليه، فقصده إلى الهبة قصد ما يزيل ملكه، فكان ذلك رجوعًا عنه.
واحتج المزني بأن الشافعي قال: ولو قال للمدبر: إن أديت بعد موتي كذا فأنت حر بطل التدبير"، فدل على أن التدبير وصية. قلنا: هذا ذكره على أحد القولين. فأما على القول الآخر لا يكون إبطالًا للتدبير.
فإذا تقرر هذا، ههنا في اللفظ إشكال، وذلك أنه علل لإبطال الرهن فقال: "كان الرهن مفسوخًا"؛ [ق ٢١٣ أ] لأنه أثبت له عتقًا قد يقع قبل حلول الرهن فلا يسقط العتق والرهن غير جائز.
ولا يختلف المذهب في تقديم الدين عل عتق المدبر والتدبير من الثلث كسائر الوصايا، فإذا دبره ثم رهنه إما أن يسبق حلول الدين موت الراهن، وإما أن يموت الراهن قبل محل الحق. فإن جاء المحل والراهن حي بيع المدبر في دين المرتهن. وإن مات الراهن في جميع الأحوال، وإنما يخشي ذاك في العتق بصفةٍ فإنه ربما توجد الصفة قبل المحل ويعتق ويبطل التدبير، اللهم إلا أن يكون مراد الشافعي بهذا التعليل تأخيره، وهو أن الراهن للعبد حق حريته بعقد التدبير وقصد القربة إلى الله تعالى به. فإذا رهن فقد تعمد إلى إبطال تلك القربة، إذا ربما يباع في الرهن فلا يجوز إبطال قربته من جهة التدبير إلا بإزالة الملك، والرهن لا يزول الملك به، فتقدير تعليله لأنه أثبت له حق عتق على جهة القربة، وقد يقع ويؤخذ سببه وهو الموت قبل حلول الحق فلا يسقط العتق، أي يستديم التدبير ويمنع الرهن كيلا يسقط حق العتق ولم يرد به أنه إذا مات وعليه دين عتق مدبره قبل أداء دينه.
فرع
إذا قلنا يصح الرهن ولا يبطل التدبير وبيع عليه لحق المرتهن ثم ملكه [ق ٢١٣ ب] الراهن من بعد هل يعود إلى التدبير قولان مبنيان على القولين في عود اليمين بعد الزوال.