ومعنى المسألة أن التدبير وصيَّة إذ تعليق عتق بصفٍة. فإن قلنا وصية صح الرجوع عنه بالقول وصح الرهن. وإن قلنا تعليق عتق بصفةٍ لم يصح الرجوع عنه بالقول ولم يصح الرهن.
ثم قال في "الأم" أيضًا: ولو دبره ثم رهنه ثم قال بعد ذلك: كنت رجعت في التدبير قبل أن أرهنه فيه قولان. ولو دبره ثم رهنه ثم رجع في التدبير بعد الرهن لم يجز حتى يبتدئ بما يجوز. وكان هذا دليل على أن الرهن باطل على القولين.
واختلف أصحابنا في المسألة على طرقٍ؛ منهم من قال: الرهن باطل قولًا واحدًا؛ لأن الرهن لا يزيل الملك وليس برجوع عن التدبير؛ لأن أحدهما لا ينافي الآخر. وقال هذا القائل: لو أوصي بشيء ثم رهنه كان رجوعًا عن الوصية. وإن قلنا إن التدبير كالوصية لأنه أكد من الوصية؛ لأن التدبير يلزم بمجرد الموت من غير قبول فلم يصح الرجوع عنه إلا بصريح القول أو بما يزيل الملك.
ومن أصحابنا من قال: فيه قولان؛ فإن قلنا يصح الرجوع عنه بما لا يزيل ملكه فالرهن [ق ٢١٢ أ] يكون رجوعًا فيبطل التدبير ويصح الرهن. وإن قلنا لا يصح الرجوع إلا بما يزيل الملك فالتدبير بحاله ولا يصح الرهن. وهذه الطريقة أصح.
ومنهم من قال: يصح الرهن على القولين جميعًا؛ لأن المدبر لما جاز بيعه جاز رهنه ولا يكون رجوعًا عن التدبير. فعلى هذا إذا حل الحق نظر، فإن كان للراهن مال غير هذا، أو أدى الدين من ماله فالعبد انفلت من الرهن وهو مدبر يعتق بموته، وإن لم يؤد الدين من ماله قيل له: تختار الرجوع عن التدبير، فإن اختار ذلك ورجع عن التدبير بيع العبد ووفي الدين من ماله وبطل التدبير.
وإن امتنع من الرجوع في التدبير، فإن كان له مال أجبر على قضاء الدين من ماله وفك العبد من الرهن ويكون مدبرًا، وإن لم يكن له مال يباع العبد في الدين ويقضي دين المرتهن؛ لأن المرتهن إنما أخذ من الرهن للاستئناف، حتى إذا تعذر الوصول إلى الدين من جهته استوفاه منه. وقول الشافعي:"الرهن مفسوخ": معناه يزول الرهن ببيع المدبر على ما قلنا.
وقال ابن سريج: فيه وجه آخر على هذه الطريقة إذا لم يكن له مال غيره ولا يرجع في التدبير، حكمنا في هذه الحالة بأن الرهن وقع فاسدًا؛ لأنَّا إنما صححناه ظنًا منه أنه ينفك عن الرهن أو يرجع عن [ق ٢١٢ ب] التدبير، فإذا لم يفعل حكمنا بفساد الرهن.
وقال أبو إسحاق: هذا ضعيف؛ لأنًَّا إذا صححنا الرهن يلزم الوفاء بموجبه، ولا يجوز أن يحكم بفساده بامتناعه من أداء حقه.