أفلس فصاحب المتاع أحق بمتاعه إذا وجده بعينه".
وروى هشام بن يحيى عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صَلَى الله عليه وسلم قال: "إذا أفلس الرجل ووجد لبائع سلعته بعينها فهو أحق بها من الغرماء". وفي رواية أخرى: "فبائع المتاع أحق بمتاعه إذا وجده بعينه".
وأما الخبر الذي ذكره مرسل وقيل: قوله: "ومات فهو أسوة الغرماء" [ق ٢٩٢ ب] من قول أبي بكر بن عبد الرحمن أدرجه الراوي في الخبر, ثم يحتمل على ما لو خلف وفاء.
وأما ما ذكره من المعنى لا يصح؛ لأن البائع لا يتوصل إلى كمال حقه لخراب ذمة المشتري بالإفلاس فكان له الرجوع إلى عين ماله كما لو كان حيًا مفلسًا, وما ذكره من تحمل المفلس موهوم لا اعتبار به أيضًا, وأيضًا قال الشافعي:
يُقَالُ لِمَنْ قَبِلَ الحَدِيثَ فِي المُفْلِسِ فِي الحَيَاةِ دُونَ المَوْتِ قَدْ حَكَمَ رَسُول اللَّهِ صَلَى الله عليه وسلم بِالشُّفْعَةِ عَلَى الْحَيِّ فَحَكَمْتُمْ بِهَا عَلَى وَرَثَتِهِ".
فكذلك ههنا وجب أن يحكم على ورثته حتى لا يكون للوارث أكثر ما للمورث, إذ يستحيل أن يكون سلطان الورثة فوق سلطان الموروث فيما ورثوا عنه, وكذلك الرد بالعيب لا يسقط بموت البائع بل يرد على وارثه كذلك ههنا, لأنه حق يملك عليه بعوض. واعترض المزني ههنا وابعد النجعة فيه فقال: قد جعل الشافعي للوارث في الوقف أكثر ما للمورث لأنه قال:
"إِذَا هَلَكَ أًهْلُهُ رَجَعَ الوَقْف إِلَى أَقْرَبِ النَّاسِ بِالوَقْفِ".
ولم يقل أنه يرجع إلى الواقف, ثم قال:
"وَهَذَا عِنْدِي غَيْرُ جَائِزٍ".
يعني جواب الشافعي في مسألة الوقف لا في مسألة المفلس. قلنا: أما مسألة الوقف فإن في صحة الوقف الذي لم يبين انتهاؤه قولين:
أحدهما: الوقف باطل حتى يبين انتهاؤه وتعلقه على ما لا ينقرض في الغالب مثل أن يقول [ق ٢٩٣ أ] فإذا انقرض أولاد أولادي يصرف إلى الفقراء والمساكين ونحو ذلك.
والثاني: يصح الوقف إذا انقرض الموقوف عليه.
روى الربيع أنه يرجع إلى أقرب الناس بالواقف بشرط الفقر. فمن الأصحاب من قال: المذهب ما رواه حرملة وما رواه الربيع مطلق فمحمول على هذا المقيد, وقيل: فيه قولان, وفي الجملة ما قاله المزني: "لا يلزم", لأن كلام الشافعي في الوارث (والمورث)