أي وجه كان, نائمًا أو مستيقظًا بجماع أو بغيره, ومن أصحابنا من قال: الاحتلام في المرأة لا يكون بلوغًا؛ لأن الشافعي قال:
"إلا أن يحتلم الغلام أو تحيض الجارية" وليس بشيء, والأصل من هذا ما ذكرنا من الخبر, وأيضًا قوله تعالى:{وَإِذَا بَلَغَ الأَطْفَالُ مِنْكُمُ الْحُلُمَ فَلْيَسْتَاذِنُوا}[النور: ٥٩] وأقل زمان الاحتلام في الغلام عشر سنين ذكره في "الحاوي".
وقال بعض أصحابنا: تسع سنين وهو القياس.
وأما الإنبات: فهو الشعر الخشن الذي يحتاج إلى جريان الموسى عليه حول ذكر الغلام وفرج الجارية ولا يختلف مذهب الشافعي أنه يحكم به بالبلوغ في أطفال المشركين, الفرق بين الذرية والمقاتلة وأخذ الجزية: لما روي أن سعد بن معاذ رضي الله عنه حكم في بني قريظة أن تقتل مقاتلهم ويسبي ذراريهم وأمر أن يكشف عن مؤتزرهم [ق ٣٤٢ أ] فمن أنبت فهو من المقاتلة ومن لم ينبت فهو من الذراري فبلغ ذلك النبي صلى الله عليه وسلم فقال: "لقد حكم سعد بحكم الله تعالى من فوق سبع سمواته" وهل هو بلوغ في نفسه أو دلالة على البلوغ؟ وقال في "الجزية" إنه دلالة عليه, فإذا قلنا: إنه بلوغ في نفسه حقيقة وهو قول مالك كان بلوغًا في أولاد المسلمين أيضًا؛ لأن حقيقة البلوغ لا تختلف بالمسلمين والمشركين والاحتلام والحيض, وإذا قلنا دلالة على البلوغ هل يكون دلالة عليه بين المسلمين؟ قولان:
أحدهما: أنه دلالة أيضًا في حقهم لما روى محمد بن يحيى بن حسان أن غلامًا من الأنصار شيب بأمره في شعره فرفع إلى عمر فلم يجده أنبت فقال: لو أنبت الشعر لحددتك ولأن ما كان علمًا على البلوغ في حق المشركين كان كذلك في حق المسلمين كالحمل.
والثاني: لا يكون دلالة في حقهم, والفرق أن في أولاد المشركين لا يجوز الرجوع إلى آبائهم في معرفة سنهم فكان الإنبات دلالة على بلوغهم, وفي أولاد المسلمين الرجوع إلى قول آبائهم وجيرانهم في معرفة سنهم فلا حاجة بنا إلى أن نجعل الإناث فيهم بلوغًا فلهذا افترقا, وأيضًا المسلم يستفيد ببلوغه فضائل من الولايات والشهادات واستحقاق السهم من المغنم وغير ذلك من الأحكام فيهم أنه يعالج الإنبات حتى ينبت قبل أوانه والكافر لا يتهم في ذلك.
وقال أبو حنيفة [ق ٣٤٢ ب]: لا يتعلق الحكم بالإنبات بحال لا في المسلم ولا في الكافر, وهذا غلظ لما ذكرنا وأما انفراق الأرنبة ونتوء طرف الحلقوم وثقل الصوت ونهود الثدي واللحية لا يحكم بها أصلًا.