في القبض؟ علي قولين: وإن لم يذكره بلفظ الهبة بل قال: صالحتك من هذه الدار علي نصفها ففيه وجهان:
أحدهما: وهو نص قول أبي إسحاق المروزي أنه لا يجوز لأنه مالك لجميع الدار فلم يجز أن يصالحه علي بعضها كما لا يجوز فيما نص عليه الشافعي أن يصالحه علي سكناها.
الثاني: وهو قول أبي الطيب بن سلمة انه يجوز لأنه لما جاز أن يصالحه علي ما في الذمة علي بعضه جاز أن يصالحه عن الأعيان علي بعضها. ومن هذين يخرج الوجهان الأولان وكل ذلك بناء علي اختلاف المذهبين في الصلح هل هو فرع لغيره أو أصل بذاته.
مسألته: قال الشافعي رضي الله عنه:"فإن صالح رجل أخاه من مورثه فإن عرفا ما صالحه عليه بشيء يجوز في البيع جاز"
قال في الحاوي: وهذا صحيح.
ومقصود الشافعي بها تفسير قوله فما جاز في البيع جاز في الصلح وما بطل فيه بطل في الصلح، فذا ورث أخوان تركه صالح أحدهما الآخر علي مال من حقه لتصير له التركة كلها بإرثه وصلحه فهذا في حكم البيع لأنه يصير مشترياً من أخيه نصيبه من الميراث فيصح بثلاثة شروط يعتبر بها صحة البيع:
أحدها: معرفة التركة بالمشاهدة لها والإحاطة بها.
الثاني: معرفة قدر ما يستحقه المصالح بالإرث منها.
والثالث: كون العوض معلوماً تنتفي الجهالة عنه.
فإن لم يشاهد التركة أو جهلا حصة المصالح أو قدر العوض بطل الصلح.
مسألة: قال الشافعي رضي الله عن:"ولو ادعي رجل علي رجل حقا فصالحه من دعواه وهو منكر فالصلح باطل ويرجع المدعي علي دعواه ويأخذ منه صاحبه ما أعطاه".
قال الماوردي: وهذا كما قال بالصلح علي الإنكار باطل حتى يصالح بعد الإقرار بالدعوي.
وقال أبو حنيفة ومالك يجوز الصلح مع الإنكار استدلالاً بعموم قوله تعالي: {والصُّلْحُ خَيْرٌ} [السناء:١٢٨] ولما روي عن النبي صلي الله عليه وسلم أنه قال:"كل ما وقي المرء به عرضه فهو صدقة".
والصدقة تستحب لباذلها وتحل لآخذها فهكذا الصلح. ولأنه بذل مالاً في الصلح مختاراً فصح كالمقر به. ولأنه مدع لم يعلم كذبة فصح صلحه كالمقر له.