ولأن اختلاف الأسامي يوجب اختلاف المعاني، فلما اختص الصلح باسم غير البيع وجب أن يكون مخالفاً لحكم البيع ولو كان لا يجوز إلا بعد الإقرار لكان بيعاً محضاً ولم يكن لاختصاصه باسم الصلح معني ولأن الاعتبار في الأصول بالآخذ دون الباذل. ألا تري أن شاهداً لو شهد علي رجل بعتق عبده فرت شهادته ثم ابتاعه الشاهد منه حل له أخذ ثمنه لاعتقاد إحلاله. وإن كان الباذل معتقداً لتحريمه فكذلك الصلح يحل للأخذ وإن كان الباذل منكراً.
ولأن في المنع من الصلح مع الإنكار منعاً من الصلح بكل حال لأنه يبعد الصلح مع الإقرار فلم يبق له محل إلا مع الإنكار.
ودليلنا قوله تعالي: {ولا تَاكُلُوا أَمْوَالَكُم بَيْنَكُم بِالْبَاطِلِ} [البقرة:١٨٨] والصلح علي الإنكار من أكل المال بالباطل. لأنه لم يثبت له حق يجوز ان يعارض عليه.
وما روي عنه صلي الله عليه وسلم أنه قال" الصلح جائز بين المسلمين إلا صلحا أحل حراماً أو حرم حلالا".
والصلح علي الإنكار محرم للحلال ومحل للحرام لأنه يحل المعاوضة علي غير حق ثابت وذلك حرام. ويحرم علي المدعي باقي حقه وذلك حلال.
ولأن صلح علي مجرد الدعوى فوجب ان يكون باطلاً كما لو ادعي قتل عمد فصولح عليه مع الإنكار. ولأنه اعتاش عن حق لم يثبت له فوجبت ان لا يملك عوضه. أصله إذا ادعي وصية فصولح بما. ولأنه صالح من لم يعلم صدقه فوجب أن لا يصح كما لو علم كذبه.
ولأنه نوع معاوضة لا يصلح مع الجهالة فوجب أن لا يصح مع الإنكار كالبيع.
ولأن الصلح لما لم يجز علي مجهول ألوف فأولي ان لا يجوز علي مجهول العين.
ولأن المبذول بالصلح لا يخلو من أربعة أحوال:
إما أن يكون مبذولاً لكف الأذى.
أو يكون مبذولاً لقطع الدعوى.
أو يكون مبذولاً للإعفاء من اليمين.
أو يكون مبذولاً للمعاوضة. فلم يجز أن يكون مبذولاً لدفع الأذى لأنه من أكل المال بالباطل. ولم يجز أن يكون لقطع الدعوى لما فيه من اعتبار ما يمنع من الربا وهو: إذا كان الحق ألفاً لم يجز أن يصالحه علي أكثر منها. ولو كان دراهم صولح عليهم بدنانير لم يجز أن يفارقه قبل قبضها ولو كان لقطع الدعوى لجاز الافتراق. ولم يجز أن يكون للإعفاء من اليمين لما ذكرنا من الأمرين فثبت انه مبذول للمعاوضة.