صدقه على الوكالة، لأنه وإن قال: ظلمني بالرجوع عليّ فله حق على الوكيل فيأخذه ويستوفي منه حقه مع اعتراف الوكيل له بما يقوله. وإن كان ذلك دينًا في ذمته فلا مطالبة له على المدفوع إليه لأنه يقول: إن حقي في ذمتك والذي دفعت إليه بغير أمري لم يسقط حقي من ذمتك فكان له مطالبته بحقه دون المدفوع إليه وهذا اختيار عامة أصحابنا.
ومن أصحابنا من قال: له أن يطالب أيهما شاء فأما الدافع فلما ذكرناه، وأما المدفوع إليه فلأن من عليه الدين دفعه إليه لأجله، وقضاء لما عليه من الدين فهو بمنزلة ما لو وكل بقضاء الدين ودفع إليه مالًا ليحمله إليه [١٩/ ب] ويقضي به دينه منه كان له مطالبة الوكيل به، فكذلك ههنا وهذا اختيار أبي إسحاق، فعلى هذا إن قبض من الوكيل فقد برئ به الدافع الذي كان عليه الحق والوكيل أيضًا، وإن رجع على الدافع نظر فإن كان المال باقيًا في يد الوكيل كان له أن يرجع به مع اعترافه أنه مال صاحب الدين لأنه على زعمه ظالم له بما أخذه، فإذا وجد له مال أخذ ذلك منه وإن كان قد تلف في يده لم يرجع عليه بشيء لأنه مقر بأنه أمين لا ضمان عليه. وإن كان أتلفه أو تلف بتفريط رجع بمثله لما بيناه في العين إذا تلفت. وقد قال القافي الطبري: هذا من غلطات أبي إسحاق، وليس كذلك عندي على ما ذكرنا.
فرع
لو جاء رجل إلى رجل فقال: لفلان عليك ألف درهم وقد مات وأنا وارثه ولا وارث له غيري فصدقه وجب عليه، قال الشافعي رحمة الله عليه: أجبر على دفعه إليه، والفرق بين المسألتين أنه إذا صدقه فإنه يقر بأن المال له وليس هناك من هو أحق منه فلزمه دفعه إليه كما إذا أقر له بالمال لزمه دفعه إليه وليس كذلك في الوكيل فإنه يقول: هناك من يستحق المال غير الوكيل وهو أحق به منه ولا أمن أن ينكر الوكالة فيلزمني الغرامة، فإن قيل: فقد يجوز أن يكون في قوله صاحب المال قد مات كاذبًا فتلزمه الغرامة فينبغي أن لا تجبروا على دفع المال إليه. قلنا: قد صدقه على الموت ولا يجوز أن يكون موته صحيحًا ويلزمه الغرامة ويجوز مع صحة توكيله إياه أن يكذب فينكر التوكيل فيلزمه الغرامة فافترقا.
فرع آخر
لو قال: لفلان عليك ألف دوهم ولي عليه ألف دوهم فأحالني به عليك فصدقه هل يجبر على دفعه إليه؟ وجهان أحدهما: لا يجبر لجواز أن ينكر الحوالة فيلزمه الغرامة قياسًا على الوكالة، والثاني: يجبر عليه. لأن الحوالة تنقل الحق من المحيل إلى المحتال فهو يقول: ليس ههنا أحق بالمال منه كالوارث سواء. وإن كذبه فالقول قوله.
وهل القول قوله مع اليمين أو بلا يمين؟ إن قلنا: يجبر على الدفع إليه عنا التصديق [٩٢/ أ] يلزمه اليمين وإلا فلا. فإذا تقرر هذا فاعلم أن في لفظ المزني إشكالًا وذلك