أنه جعل لرب المال الخيار في مطالبة أيهما شاء وأنتم فرقتم على المذهب الصحيح بين الدين والعين، فقلتم في العين: إذا تلفت يطالب أيهما شاء، وفي الدين لا يطالب القابض.
قيل: أما الفرق بين المسألتين ظاهر وهو ما أشرنا إليه أن الحق إذا كان ديناً وحلف رب المال على نفي التوكيل فرب الدين يزعم أن ما قبضه القابض شيء أخذه غصباً وذمة الدافع غير بريئة فلا مرجع لصاحب الدين إلى غير ذمة الدافع، فأما الوديعة التي هي عين المال فعين مال المودع الحالف على نفي التوكيل وقد صار قابضها في الحكم كصاحبها، والغصب إذا تلف عند الغاصب فعليه ضمانه وكلام المزني يحتمل أن يكون قد صور المسألة في الوديعة. فإن قيل: أفيجوز أن يعبر عن الوديعة بقوله: ولو كان لرجل على رجل حق؟ قلنا: لا يستبعد هذا، لأن الشافعي قال في "كتاب الإقرار": لو قال لفلان: علي ألف ثم جاء بالألف وقال: هذا الألف الذي أقررت به كان وديعة له عندي قبل تفسيره، وإن كان مراد المزني الدين فقد أخطأ حيث قال: الرب الدين بعد يمينه مطالبة القابض. واعلم أن في لفظ المزني غلطاً وهو أنه قال: وإذا غرم القابض لم يكن له أن يرجع على الدافع لأنه يعلم أنه مظلوم بريء. وهذا غلط لأن المظلوم هو القابض، لا الدافع، لأن الدافع كان عليه ألف درهمٍ فدفعه مرةً ولم يغرمه ثانية ولم يستحلف صادقاً ولا كاذباً فكيف سماه المزني مظلوماً، اللهم إلا أن يجعل ذلك صفة للقابض فيقول: ليس للقابض أن يطالب الدافع لأن القابض عند نفسه بزعمه مظلوم بريء عما أغرم ولكنه بخلاف ظاهر لفظه وعطف كلامه.
مسألة [(١)]: قال: فإن وكَّلهُ ببيعِ سلعةٍ فباعها نسيئةً كان لهُ نقضُ البيعِ بعدَ أنْ يحلفَ ما وكلُه إلا بالنقدِ.
وهذا كما قال: قد ذكرنا هذه المسألة بشرحها ونذكر الآن ترتيباً فنقول: إذا باعه نسيائً ثم قال الموكل: وكلته بالبيع نقداً أو أطلقت التوكيل [٩٢/ب] لا يخلو حال الوكيل والمشتري من أربعة أحوال، إما أن يصدقاه، أو يكذبه، أو يصدقه الوكيل دون المشتري، أو المشتري دون الوكيل. فإن صدقاه كان البيع باطلاً، فإن كان باقياً أخذه، وان كان تالفاً يرجع بقيمته على من شاء من المشتري والوكيل، فإن رجع على المشتري لم يرجع على الوكيل لأن التلف في يده، وان رجع على الوكيل رجع على المشتري. فإن كذباه فالقول قول الموكل على ما ذكرناه، فإذا حلف وكان تالفاً له مطالبة من شاء منهما بالقيمة، فإن رجع على الوكيل لم يرجع على المشتري في الحال لأنه يقول: البيع صحيح وعليك الثمن عند محله، فإذا حل الأجل يرجع بأقل الأمرين من قيمته أو قدر الثمن فإن كان في القيمة أقل لم يرجع إلا بها لأن هذا القدر هو الذي غرضه وما زاد على ذلك لا يدعيه الموكل، وان كان الثمن أقل لم يرجع إلا به لأنه يقول: هذا هو