إلى أمين ثقة ففي ضمانه وجهان:
أحدهما: وهو قول أبي إسحاق المروزي: لا ضمان عليه، وهو ظاهر كلام الشافعي، لأن الأمين عليها يمكن أن يحاكمه المودع منها إلى الحاكم ويقيم البينة بما عنده ولا يمكن أن يفعل ذلك مع الحاكم.
والثاني: وهو قول أبي سعيد الإصطخري، وأبي علي بن خيران، وابن أبي هريرة يضمن، لأن اختيار الحاكم واختيار الأمين اجتهاد ولأن نظر الحاكم عام ونظر الأمين خاص، فإن لم يجد حاكماً، أو كان إلا أنه غير مأمون جاز أن يختار لها أميناً ثقة يستودعه إياها؛ لأنه لا يقدر على غير ذلك في حفظها، ولأن النبي - صلى الله عليه وسلم - أودع ما خلفه من الودائع عند أم أيمن حين هاجر واستخلف علياً في الرد رضي الله عنه وهل يلزمه الإشهاد عند دفعها إليه أم لا:
أحدهما: يلزمه الإشهاد عليه خوفاً من تغير حاله وحدوث جحوده، فعلى هذا إن لم يشهد عليه ضمنها.
والثاني: لا يلزمه الإشهاد عليه، لأنه ينوب عن المالك، ولأن قول الأمين في الرد مقبول، فعلى هذا إن لم يشهد عليه لم يضمنها فإن لم يجدا ثقة يستودعه إياها لم يخل حينئذ حال المصر والسفر من أربعة أقسام:
أحدها: أن يكون المصر مخوفآ بغارةء أو حريقء والسفر مأمونآء فعليه أن يسافر بالمال معه، لأنها حال ضرورة هي أحفظ وأحرز، فإن تركها وسافر كان ضامناً، وإن سافر بها لم يضمنها.
والثاني: أن يكون المصر مأموناً والسفر مخوفاً، فعليه تركها في المصر على ما سنذكره، ولا يجوز أن يسافر بها، فإن سافر بها ضمن.
والثالث: أن يكون المصر مخوفاً والسفر مخوفاً، فلا يجوز أن يسافر بها لأنه إذا استوي الخوفان كان خوف السفر أعم.
والرابع: أن يكون المصر مأموناً والسفر مأموناً، ففي جواز السفر بها وجهان:
أحدهما: وهو قول أبي إسحاق المروزي، والظاهر من كلام الشافعي: لا يجوز أن يسافر بها، فإن سافر بها ضمن، لأن السفر أخطر.
والثاني: وهو قول أبي علي بن أبي هريرة: يجوز أن يسافر بها، ولا ضمان عليه، لاستواء الأمن في الحالين، وفضل حفظه لها بنفسه في السفر، والله أعلم.
مسالة (١):
قال الشافعي: "وإن دفنها في منزله ولم يعلم بها أحداً يأتمنه على ماله فهلكت
(١) انظر الأم (٣/ ١٧٥، ١٧٦).