للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وأمر له بخمسين بعيراً، وكان ما فعله النبي - صلى الله عليه وسلم - من إعطاء المؤلفة قلوبهم إما من سهمه من الخمس، وإما لأن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ثبت بحنين مع ثمانية من أصحابنا وانهزم جميع الناس؛ فصارت جميع الغنائم له فصنع بها ما شاء وتألف بها من شاء، ولذلك قالت الأنصار حين رأوه قد تألف قريشاً أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قد عزم أن يرجع إلى قومه فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "يا معشر الأنصار إنكم لتكثرون عند الفزع وتقلون عند الطمع، ولو سلك الناس شعباً ويسلك الأنصار شعباً لسلكت شعب الأنصار أما ترضون أن ينصرف الناس بالشاة والبعير، وتنصرفون برسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقالوا: رضينا (١)، فكان ما فعله من التفضيل بحنين محمولاً على ما ذكرنا، وأما غنائم بدر فكانت خالصة له فوضعها فيمن شاء من حاضر وغائب على تساوي وتفضيل.

فصل

وأما ما لا ينقل من الدور والأرضين فحكمه عندنا حكم الأموال المنقولة، يكون خمسه لأخل الخمس، وتقسم أربعة أخماسه بين الغانمين.

وقال أبو حنيفة: الإمام في الأرضين مخير بين ثلاثة أشياء بين أن يقسمها على الغانمين، أو يقسمها على المسلمين، أو يقرها في أيدي أهلها المشركين بخراج يضربه عليها، وجزية على رقاب أهلها، تصير خراجاً بعد إسلامهم لا تسقط عن رقابهم.

وقال مالك: قد صارت بالغلبة وفقاً على المسلمين، فأما أبو حنيفة فاستدل بما روي عن عمر بن الخطاب لما فتح أرض السواد، أراد أن يقسمه بين الغانمين، فشاور علي بن أبي طالب رضوان الله عليهما، فقال دعها تكون عدة للمسلمين، فتركها ولم يقسمها وضرب عليها خراجاً، وروي أنه لما فتحت مصر، كان الأمير عمرو بن العاص، قال له الزبير أقسمها بين الغانمين، فقال: لا حتى أكتب إلى عمر فكتب إليه فأجابه عمر حتى يغدو فيهما حبل الحبلة (٢)، ولأنه لما جاز أن يصالحهم على خارجها قبل القدرة جاز أن يكون مخيراً فيها بعد القدرة كالرقاب.

وأما مالك فاستدل بقوله تعالى: {وَالَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ} [الحشر:١٠] فكان هذا الدعاء منهم لأجل ما انتقل إليهم من فتوح بلادهم التي استبقوها وفقاً عليهم، وبما روي أن النبي - صلى الله عليه وسلم - فتح مكة عنوة فلم يقسمها وقسم غنائم هوازن ولم يقسم أرضهم؛ فدل على أن الأرض تصير وفقاً لا يجوز أن تقسم؛ ولأن الغنائم كانت على عهد من سلف من الأنبياء تنزل ناراً من السماء تأكلها فأحلها الله تعالى بعدهم لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - ولأمته والنار إنما تختص بأكل المنقول دون الأرضين فدل على اختصاص المنقول بالغنيمة المستباحة دون الأرضين والدلالة عليها


(١) أخرجه البخاري (٣١٤٣)، ومسلم (١٣٢/ ١٠٥٩).
(٢) أخرجه البيهقي في "الكبرى" (١٢٨٢٨).

<<  <  ج: ص:  >  >>