وأما النضر بن الحارث فإن النبي - صلى الله عليه وسلم - أمر بقتله حين أسر فقتل فلما دخل النبي - صلى الله عليه وسلم - مكة عام الفتح استقبلته قتيلة بنت النضر بن الحارث وأنشدته (١):
فقال النبي - صلى الله عليه وسلم - لأبي بكر رضي الله عنه لو سمعت شعرها ما قتلته. فهذا دليل على جواز قتل الأسرى من المشركين.
وأما الدليل على جواز استرقاقهم، فقوله تعالى:{حَتَّى إِذَا أَثْخَنتُمُوهُمْ فَشُدُّوا الْوَثَاقَ}[محمد: ٤] وفي الآية تأويلان:
أحدها: إذا أثخنتموهم بالظفر فشدوا الوثاق بالأسر.
والثاني: إذا أثخنتموهم بالأسر فشدوا الوثاق بالاسترقاق وقد استرق رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بني قريظة وهوزان ورجلًا من بني عقيل، فقال له قد أسلمت، فقال: لو أسلمت قبل هذا لكنت قد أفلحت كل الفلاح.
فصل
وأما الفداء والمن فالاستدلال أبي حنيفة على المنع منهما بقوله تعالى:{مَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَكُونَ لَهُ أَسْرَى حَتَّى يُثْخِنَ فِي الأَرْضِ}[الأنفال: ٦٧]{لَوْلا كِتَابٌ مِنْ اللَّهِ سَبَقَ لَمَسَّكُمْ فِيمَا أَخَذْتُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ}[الأنفال: ٦٨] يعني من أموال الفداء في أسرى بدر وإذا منعت الآية من الفداء بمال كانت من الفداء بالمن لمن بغير مال أمنع، وقال تعالى:{فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ}[التوبة: ٥]{فَخَلُّوا سَبِيلَهُمْ}[التوبة: ٥] فأمر بقتلهم ونهى عن تخليتهم بعد أخذهم وحصرهم إلا بإسلامهم فدل على تحريم المن والفداء ولأنه لما لم يجز المن عليهم بسلاحهم وعبيدهم ولا منع السلاح والعبيد عليهم، وذلك تبع يقل ضرورة قصدًا لإضعافهم، فكان بأن لا يمن عليهم بأنفسهم ولا يفادوا بمال عن رقابهم أولى؛ لأن الضرر بهم أعظم، وإضعافهم بالقتل والاسترقاق أبلغ ولأن المصلحة في حظر المن والفداء ظاهرة؛ لأنهم إذا تصوروا جوازها عندنا أقدموا على الحرب تعويلًا على الفداء بعد الأسر ورجاء المن، وإذا تصوروا أنه لا خلاص لهم من القتل إذا أصروا كان ذلك أحجم لهم عن الأقدام وأمنع من القتال، وإن كانت المصلحة فيه ظاهرة كان ما دعى إليها لازمًا.
(١) الأبيات من الكامل، وهي لقتيلة بنت النضر بن الحارث في لسان العرب (١/ ١١٢ - ضنأ ١٠/ ٢٤١ - عرق)، تاج العروس (١/ ٣١٧ - ضنأ)، الأغاني (١/ ٣٠)، حماسة البحتري (ص ٢٧٦)، الجنى الداني (ص ٢٨٨)، خزانة الأدب (١١/ ٢٣٩)، الدرر (١/ ٢٥٠)، شرح الأشموني (٣/ ٥٩٨)، شرح التصريح (٢/ ٢٥٤)، شرح شواهد المعني (٢/ ٦٤٨)، المقاصد النحوية (٤/ ٤٧١).