للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والدليل على جواز المن والفداء، قوله تعالى: {فَإِذا لَقِيتُمْ الَّذِينَ كَفَرُوا} [محمد: ٤] {فَإِمَّا مَنّاً بَعْدُ وَإِمَّا فِدَاءً حَتَّى تَضَعَ الْحَرْبُ أَوْزَارَهَا} [محمد: ٤] وقال مجاهد: حتى لا يبقى في الأرض دين غير الإسلام، فكان المن والفداء صريحًا في هذه الآية وليس لهم نسخ ذلك بقوله تعالى {فَإِذَا انسَلَخَ الأَشْهُرُ الْحُرُمُ فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ} [التوبة: ٥] لأمرين:

أحدهما: أنه إذا أمكن استعمال الآيتين لم يجز أن تنسخ إحداهما الأخرى، واستعمالهما ممكن في جواز الكل، ويعتبر كل واحد منهما باجتهاد الإمام ورأيه.

والثاني: أن الأمر بالقتل على وجه الإباحة دون الوجوب، وإباحته لا تمنع من العدول عنه إلى غيره ويدل على جواز المنّ خاصة ما رواه جبير بن مطعم: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال لأسارى بدر: "لو كان مطعم بن عدي حيًا ثم كلمني في هؤلاء النتنى لأطلقتهم له" (١) وهو لا يقول ذلك إلا لجوازه عنده.

وروي سعيد بن أبي سعيد عن أبي هريرة أن النبي - صلى الله عليه وسلم - بعث خيلًا قبل نجد فجاءت برجل من بني حنيفة يقال له ثمامة بن أثال، فربطوه إلى سارية من سواري المسجد، فخرج إليه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وقال: "ما عندك يا ثمامة"؟ قال: عندي يا محمد خبر إن تقتل تقتل ذا دم، وإن تنعم تنعم على شاكر، وإن كنت تريد المال فسل تعط منه ما شئت فتركه، حتى إذا كان من الغد ذكر مثل هذا: فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "أطلقوا ثمامة" فانطلق إلى نخل قريب من المسجد فاغتسل ثم دخل المسجد فقال: "أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله"، وكتب إلى قومه فأتوه مسلمين (٢). وقد منَّ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على أبي عزة الجمحي يوم بدر على أن لا يعود لحربه أبدًا فعاد يوم أحد وأسره، ومنّ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على أبي العباس بن الربيع وكان صهره على ابنته زينب.

ويدل على جواز الفداء رواية عمران بن الحصين أن النبي - صلى الله عليه وسلم - فادى رجل برجلين رواه الشافعي مفسرًا أن عمران بن الحصين قال: بعث رسول الله - صلى الله عليه وسلم - سرية فأسروا رجلًا من بني عقيل، فاستوثق منه، وطرح في الحرة فمنّ به النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال: "فيما أخذت وفيم أخذت سالفة الحاج" يعني العضباء قال: أخذت بجريرة حلفائكم من ثقيف قد أسروا مسلمين فقال العقيلي: إني جائع فاطعمني وعطشان فاسقني، وأنا مسلم فخلني فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: "لو قلت هذا قبل هذا أفلحت كل الفلاح" يعني: قبل أن تسترق وفاده برجلين، وحبس العضباء وهي ناقته التي خطب عليها بمنى في حجّة الوداع (٣).


(١) أخرجه البخاري (٣١٣٩)، وأبو داود (٢٦٨٩)، والحميدي (٥٥٨)، والطبراني في "الكبير" (٢/ ١١٩)، والبيهقي في "الكبرى" (١٢٨٣٧) وابن عبد البر في "التمهيد" (٩/ ١٤٧).
(٢) أخرجه البخاري (٤٣٧٢)، ومسلم (٥٩/ ١٧٦٤)، وأحمد (٢/ ٢٤٦)، وابن حبان (٢٢٨١)، وابن خزيمة (٢٥٣)، وعبد الرزاق (٩٨٣٤)، والبيهقي في "الكبرى" (١٢٨٣٥).
(٣) أخرجه مسلم (٨/ ١٦٤١)، والحميدي (١٠٠٨)، وعبد الرزاق (٥٣٦٧)، والبيهقي في "الكبرى" (١٨٠٦٦)، وفي "معرفة السنن" (٥٣٧٩).

<<  <  ج: ص:  >  >>