للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فإن قيل: كيف يفادى به بعد إسلامه.

قيل: لأنه كان مسترقًا فصارات مفاداته عتقًا؛ ولأنه لما جاز الاعتياض عنه بالفداء مع خروجهم من دارنا بالجزية مع إقرار هو في دارنا جاز الاعتياض عنهم بالفداء مع خروجهم من دارنا أولى.

وتحريره أنه اعتياض رقبة مشركة فجاز كالحرية؛ ولأنه لما جاز تآلف المشركين بإعطائهم سهم المؤلفة كان تآلفهم بالمنّ أولى، وربما كان المن أبلغ في تآلفهم أثرًا أو أعم صلاحاء.

وحكي أن الحجاج أتى بأسير من الخوارج من أصحاب قطري بن الفجاءة، وكان يعرفه فلما رآاه منّ عليه فعاد إلى قطري، فقال له قطري: عد إلى قتال عدو الله الحجاج فقال: هيهات علا يدًا مطلقها واسترق رقبة معتقها، وأنشد يقول:

أُقَاتِلُ الحًجَّاجَ عَنْ سُلْطَانِهِ بِيَدٍ تُقِرُّ بِأَنَّهَا مُوْلَاتُه

إِنّي إِذَنْ لأّخُو الدَّنَاءةِ وَالَّذِي شَهدت بِأَقْبَح فِعْلِهِ غَدَرَاتُه

مَاذَا أَقُولُ إذَا وَقَفْتُ إِزَاءَه فِي الصَّفِّ وَاحْتَجَّتْ لَهُ فِعْلاتُه

لَا قَولَ جَاٍر عَلَى أَنَّي إِذنضلاَ حَقَّ مَنْ جَارَتْ عَلَيْهِ وَلَاتُه

وَتَحَدَّثَ الأَقْوَام أَنَّ ضَائِعًا ... عَرَسَتْ لِذِي مِحّبْبنطَل نَحَلَاتُه

وإن كان المنّ بهذه المنزلة من التآلف والاستصلاح جاز إذا أدى الاجتهاد إليه أن يفعل.

فأما الجواب عن استدلالهم بقوله تعالى: {مَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَكُونَ لَهُ أَسْرَى حَتَّى يُثْخِنَ فِي الأَرْضِ} [الأنفال: ٦٧] فهو أن سبب نزول هذه الآية أن النبي - صلى الله عليه وسلم - شاور أصحابه في أسرى بدر فقال أبو بكر: هو قومك وعشيرتك فاستبقهم لعل الله أن يهديهم، وقال عمر: هم أعداء الله ورسوله كذبوك وأخرجوك فاضرب أعناقهم، فمال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بعد انصرافه عنهم إلى قول أبي بكر وأخذ فداء الأسرى ليتقوا به المسلمون فقيل إنه فدى كل بأربعة آلاف درهم، وقيل: أربعمائة درهم، وقال للمهاجرين: أنتم عالة يعني فقراء، فنزلت هذه الآية إنكارًا على نبيّه في فداء أولئك الأسرى، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: لو عذبنا في هذا الأمر يا عمر ما نجا غيرك في إنكار هذا الفداء فكان دليل على إباحة الفداء من ثلاثة أوجه:

أحدها: قوله تعالى: {مَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَكُونَ لَهُ أَسْرَى حَتَّى يُثْخِنَ فِي الأَرْضِ} [الأنفال: ٦٧] وهو كثرة القتل فاقتضى إباحة ذلك بعد الإثخان في الأرض وقد أثخن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في الأرض وكثرة القتل وكذلك المسلمون بعده.

والثاني: قوله تعالى: {لَوْلا كِتَابٌ مِنْ اللَّهِ سَبَقَ} [الأنفال: ٦٨] وفيه تأويلان:

أحدهما: لولا كتاب من الله سبق في أنه سيحل لكم الغنائم لسهمكم في تعجلها من

<<  <  ج: ص:  >  >>