للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والليث بن سعد مع أهل مصر، وأحمد وإسحاق مع أصحاب الحديث، والثوري أبو يوسف ومحمد مع أهل العراق، إلا أبا حنيفة وحده فإنه تفرد عنهم فأهب إلى أنه يعطي الفارس سهمين والراجل سهما استدلالاً برواية عبيد الله بن عمر العمري عن نافع عن ابن عمر أن النبي - صلى الله عليه وسلم - أعطى الفارس سهمين فبرواية المقداد قال: أعطاني رسول الله - صلى الله عليه وسلم - سهماً لي وسهماً لفرس وبرواية مجمع بن حارثة الأنصاري قال: قسم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - خيبر على ثمانية عشر سهما وكان الجيش ألفا وخمسمائة فمنهم ثلاثمائة فارس فأعطى الفارس سهمين، والراجل سهماً؛ لأنه جعل لثلاثمائة فارس ستمائة سهم حتى صار لكل مائة منهم سهم واحد من خيبر (١).

ومن القياس: أنه حيوان يسهم له: فوجب أن لا يزاد على سهم كالراجل، ولأن الفرس تبع ألا تراه لو حضر بلا صاحبه لم يهم له، ولو حضر صاحبه بلا فرس أسهم له، ولا يجوز أن يكون سهم التابع أفضل من سهم المتبوع، ولأن عناء صاحبه أكثر تأثيرا وتأثيره أظهر لأنه هو المقاتل دون الفرس، وسهم الغنيمة إنما يستحق بحسب العناء وعلى قدر البلاء: فلم يجز أن يفضل ما قل تأثيره على ما كثر قال أبو حنيفة: لأن في إعطاء الفرس سهمين وصاحبه سهماً تفضيلاً للبهيمة على الآدمي وإني لأستحي أن أفضل بهيمة على آدمي.

قال أصحابه: ولأن القياس يقتضي أن لا يسهم للفرس: لأنه آلة كالسلاح: ولأنه بهيمة كالبغال، ولكن صرنا إلى إعطائه سهماً واحداً بالإجماع ومنع القياس من الزيادة عليه.

ودليلنا ما رواه عبيد الله بن عمر العمري عن نافع عن ابن عمر أن النبي - صلى الله عليه وسلم - أسهم للراجل ولفرسه ثلاثة أسهم سهماً له، وسهمين لفرسه (٢). وهذا حديث صحيح رواه أئمة الحديث، وقد روى جابر وأبو هريرة مثله عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وروى الزهري عن مالك بن أوس بن الحدثان عن عمر بن الخطاب وطلحة والزبير قالوا: كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يسهم للفارس ثلاثة أسهم: سهماً له وسهمين لفرسه (٣). وهذا إخبار عن استدامة فعله، لكن الحديث الأول أشهر وأصح: لأن مدار هذا على بشر بن معاذ، وفيه لين.

وروى ابن عباس إن النبي - صلى الله عليه وسلم - قسم يوم خيبر للفارس ثلاثة أسهم وللراجل سهم (٤).

وروى الشافعي أن الزبير بن العوام كان يضرب في المغنم بأربعة أسهم سهماً له؛ وسهمين لفرسه، وسهم لأمه صفية (٥)؛ لأنهما من ذوي القربى وكل هذه الأخبار نصوص


(١) تقدم تخريجه.
(٢) أخرجه البخاري (٤٢٢٨)، ومسلم (٥٧/ ١٧٦٢).
(٣) أخرجه أحمد (٢/ ٢)، والدارمي (٢/ ٢٢٥)، وأبو داود (٢٧٣٣)، وابن ماجه (٢٨٥٤)، والبيهقي في "الكبرى" (١٢٨٦٨).
(٤) أخرجه البيهقي في "اكبرى" (١٢٨٧٢).
(٥) أخرجه البيهقي في "اكبرى" (١٢٨٧٦، ١٢٨٧٧).

<<  <  ج: ص:  >  >>