تمنع من الخلاف.
فإن قيل: فيحمل السهم الثالث في هذه الأخبار على أن النبي - صلى الله عليه وسلم - دفعه إلى الفارس نقلاً كما نقل الربع في البداءة والثلث في الرجعة فعل ذلك أربعة أجوبة:
أحدهما: أن السهم عبارة عن المستحق لا عن النفل.
والثاني: أن النفل يستحق بالشرط وليس في الفرس شرط.
والثالث: أن النفل لا يكون للفرس.
والرابع: أن حكم السهم الثالث كحكم الهمين المتقدمين، فلما لم يكونا نفلاً لم يكن الثالث نفلاً.
ثم الدليل من جهة القياس أنه مقدر يزيد على مقدر على وجه الرفق، فوجب أن يكون بالضعف قياساً على المسح على الخفين، لما مسخ المقيم يوماً وليلة أرفق المسافر بثلاثة أيام وليالهن؛ ولأن مؤنة الفرس أقصر لما يتكلف من علوفه وأجره خادمه وكثرة آلته فاقتضى أن يكون المستحق به أكثر، ولأنه في الحرب أهيب، وتأثيره في الكر والفر أظهر. فاقتضى أن يكون سهمه أوفر.
فأما الجواب عن حديث عبيد الله بن عمرو العمري فمن ثلاثة أوجه:
أحدهما: أنه عند أصحاب الحديث ضعيف وأخوه عبد الله أقوى عندهم منه وأصح حديثاً، وقد روينا عنه خلاف ما رواه.
والثاني: أن خبر عبد الله أزيد من خبره والأخذ بالزيادة أولى.
والثالث: أنه يحمل سهم الفارس على الزيادة استحقها بفرسه على السهم الراتب لنفسه فيصير ذلك ثلاثة أسهم كما روينا استعمالاً للروايتين فيكون أولى من إسقاط إحداهما بالأخرى كما روي في صلاة العيدين، أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كبر في الأولى سبعا وفي الثانية خمساً فحملنا ذلك على التكبير الزائد على التكبيرة الراتبة في الإحرام والقيام.
وأما حديث المقداد فقد روت عنه بنته كريمة أنه قال: أعطاني رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ثلاثة أسهم: سهماً لي، وسهمين لفرس فتعارضت الروايتان عنه وسقطتا واستعملنا على ما وصفنا.
وأما حديث مجمع بن حارثة فعنه جوابان:
أحدهما: ما قاله أبو داود أن مجمعاً وهم في حديثه: أنهم كانوا ثلاث مائة فارس، وإنما كانوا مائتي فارس.
والثاني: أنه قد روي عنه أنهم كانوا ألفاً وأربعمائة فهم مائتا فارس وهذه الرواية أصح من وجهين:
أحدهما: أن رواية ابن عباس توافقهما.
والثاني: أن هذا الجيش هم أهل الحديبية، وقد اتفق أهل السير على أن عدتهم