كذا وشبك بين أصابعه (١)، وفي بعض الروايات لم يفترقوا في جاهلية ولا إسلام. والدلالة في هذا الخبر من وجهين:
أحدهما: أن عثمان بن عفان وجبير كانا من أغنياء قريش، سألاه لما أعطيت بني هاشم وبني المطلب وحرمتنا، ونحن وهم في القرابة سواء؟ فلم يجعل سبب المنع الغني فدل على أن الغني فيه كالفقير.
والثاني: أنه كان في بني هاشم وبني المطلب أغنياء وفقراء وقد أعطاهم. وكان من عبد شمس أغنياء وفقراء وقد حرمهم؛ فدل على أنه اعتبر القرابة دون الفقر.
فإن قيل: النبي - صلى الله عليه وسلم - أعتبر النصرة دون القرابة؟ لأن هاشماً والمطلب وعبد شمس ونوفل كانوا أخوة وكلهم بنو عبد مناف، وقد خص النبي - صلى الله عليه وسلم - سهم ذوي القربة بني هاشم وبني المطلب دون بني عبد شمس ونوفل وجميعهم في القرابة سواء، لما قال في ضم بني المطلب إلى بني هاشم بأنهم شيء واحد، ولم يفترقوا في جاهلية ولا إسلام ليعلمهم أن بني عبد شمس وبني نوفل قد خالفوهم في الجاهلية والإسلام، فدل على أن العطاء إنما كان لأجل الندرة التي ميزتهم بها دون القرابة التي قد اشتركوا فيها فاختلف أصحابنا لأجل ذلك في سبب الاستحقاق على ثلاثة أوجه:
أحدهما: أن الاستحقاق بالقرابة وحدها دون النمرة، ولأنهم ليس للنصرة فيها تأثير، لأنه لم يذكره عثمان وجبير في طلبها ولا ذكره النبي - صلى الله عليه وسلم - في منعهما ودفع ذلك لمن لا نصرة فيه من صغير وكبير ورجل وامرأة ومنع من ظهرت من غيرهم، وان لم يكن من بني المطلب من قام بالنصرة مقام أبي بكر وعمر وعثمان وأبي دجانة وخالا بن الوليد فمنعهم وأعطى من بني المطلب من هو أقل نصرة منهم، فدل على أنهم استحقوا ذلك بالقرابة لا بالنصرة.
والثاني: أن الاستحقاق بالقرابة والتقديم بالنصرة كما نقول في الأخوين أحدهما لأب وأم، والآخر لأب ابنهما في التعصيب بالأب سواء، ويقدم أحدهما على الآخر للأم، وان اشتركا في التعصيب، كذلك بني المطلب وان شاركوا بني عبد مناف وبني نوفل في القرابة قاموا عليهم بما اختصوا به من النصرة.
فإن قيل: فإذا كان التقديم بالنصرة فهلا زال حكمهما بزوالها، وقد زالت اليوم، قيل: النصرة في الآباء أوجبت ثبوت حكمها في الأبناء، كما تقول في تمييز كفرة أهل الكتاب على المشركين في قبول الجزية أن حرمة آبائهم حين كانوا على حق أوجبت ثبوتها لأبنائهم وإن زالوا عن الحق.
والثالث: أن الاستحقاق بالقرابة وحدها، والمنع مع وجودها لسبب آخر كما نقول
(١) أخرجه البخاري (٤/ ٢١١)، وأبو داود (٢٩٧٨)، والنسائي (٤١٤٨)، وابن ماجه (٢٨٨١)، واليهقي في "الكبرى" (١٢٩٥٢) وفي "معرفة السنن" (٣٩٨٧).