للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فدل استنزال عمر لهم ثمنه بخلة المسلمين، أنهم لم يستحقوه بالفقر الذي قد شاركوا فيه فقراء المسلمين، ولكنه حق لهم لا يسقط بمطالبتهم ولا يؤخر لفقرهم، وإنهم يستحقون قضاء ما أخروه من حقهم.

وروى زيد بن هرمز أن نجدة الحروري حين حج في فتنة ابن الزبير أرسل إلى ابن عباس يسأله عن سهم ذي القربى، ويقول لمن تراه قال ابن عباس: لقربى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقسمه لهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وقد كان عمر عوض من ذلك عوضاً رأيناه دون حقنا فرددناه عليه، وأبينا أن نقبله؛ ولأنهم أحد أصناف أهل الخمس، فوجب أن لا يسقط حقهم منه كسائر الأصناف.

ولأن من حرمت عليه الصدقات المفروضات في جميع الأحوال ثبت لهم سهم في الخمس كالنبي - صلى الله عليه وسلم -.

ولأنهم عوضوا عن الصدقات المفروضات بحمس الخمس لقوله - صلى الله عليه وسلم - أو ليس في خمس الخمس ما يغنيكم عن أوساخ الناس، فلما كان تحريم الصدقات عليهم ثابتاً لا يزول؛ كان ما عوضوه من خمس الخمس ثابتاً لهم يزول.

وتحريره أن ما تتميز به ذوو القربى في الأموال استلزم ثبوته قياساً على تحريم الصدقات.

فأما الجواب عن استدلال أبي حنيفة بأن النبي - صلى الله عليه وسلم - ما لم يكن موروثاً كان ساقطاً، فهو أن الميراث إذا انتفى عنه رد إلى ما قد أقيم مقامه من وجوه المصالح لقومه في حقه مقام الميراث في حق غيره، فوجب أن يكون ذلك مصرف ماله.

وأما الجواب عن قوله: إن سقوط حقه الصفي بموته يوجب سقوط حقه من غيره فهو أن الحق من الصفي غير مقدر فلا يكون ثابتاً بعد موته، وإنما كان يأخذ من الغنيمة ما شاء باختياره واختيار للصفي معدوم بعد موته فقط بخلاف غيره.

وأما الجواب عن استدلال أبي حنيفة في سقوط سهم ذي القربى لقوله تعالى: {كَيْ لا يَكُونَ دُولَةً بَيْنَ الأَغْنِيَاءِ مِنْكُمْ} [الحشر: ٧] من وجهين:

أحدهما: أنه راجع إلى جميع الخمس وليس هو دولة بين الأغنياء؛ لأن سهم اليتامى والمساكين وابن السبيل يستحق بالفقر.

والثاني: أنه سهم ذي القربى ليس هو دولة بين الأغنياء؛ لأنه يشترك فيه الأغنياء والفقراء وما كان دولة بين الأغنياء خرج عن أن يكون فيه حق للفقراء وأما الجواب عن استدلاله بحديث علي عليه السلام أنه رد سهم ذي القربى لغناهم على المسلمين لخلقهم وفقرهم فمن وجهين:

أحدهما: أنه اختار ترك حقه ومن يترك حقه باختياره لم يدل على سقوط استحقاقه.

والثاني: أنه أخره لخلة المسلمين ليأخذ عوضه عند استغنائهم فكان حقه ثابتاً باقياً، وهو أول شيء على ثبوت استحقاقه.

<<  <  ج: ص:  >  >>