وأما الجواب عن قياسه على الصدقات مع جواز أن يدفع من الصدقات إلى أغنياء العاملين والمؤلفة قلوبهم والغارمين فهو أن الصدقة مواساة: فجاز أن يكون الفقراء أحق بها، والخمس يملك من غنائم المشركين قهراً لا بالمواساة، فجاز أن يشترك فيه الفقراء والأغنياء كالغانمين.
وأما الجواب عن قياسهم على اليتامى والمساكين فهو أن ما أخذ باسم المسكنة والفقرا جاز أن يكون الفقر فيه شرطاً، وما أخذ باسم القرابة كانت القرابة شرطاً فيه إذا وجدت ولم يكن الفقر شرطاً وما أخذ باسم القرابة كانت كالميراث والله أعلم.
مسألة (١)
قال الشافعي:"فيعطى سهم ذي القربى حيث كانوا ولا يفضل أحد على أحد حضر القتال أو لم يحضر إلا سهمه في الغنيمة كسهم العامة ولا فقير على غني ويعطى الرجل سهمين والمرأة سهماً لأنهم أعطوا باسم القرابة فإن قيل: فما أعطى - صلى الله عليه وسلم - بعضهم مائة وسقٍ، وبعضهم أقل قيل لأن بعضهم كان ذا ولدٍ فإذا أعطاه حظه وحظ غيره فقد أعطاه أكثر من غيره والدلالة على صحة ما حكيت من التسوية أن كل من لقيت من علماء أصحابنا لم يختلفوا في ذلك وإن باسم القرابة أعطوا وإن حديث جبير بن مطعم أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قسم سهم ذي القربى بين بني هاشم وبني المطلب".
قال في الحاوي: وهذا صحيح وقد مضى الكلام في أن سهم ذي القربى ثابت وثبوته يقتضي إبانة أحكامهم فيه وذلك يشتمل على خمسة فصول:
فالفصل الأول: في ذي القربى من هم؟ وهم بنو هاشم وبنو المطلب دون بني عبد شمس وبني نوفل، وجميعهم بنو عبد مناف، وكان لعبد مناف مع هؤلاء الأربعة خامس اسمه عمرو وليس له عقب فأما هاشم فهو جد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لأنه محمد بن عبد الله بن عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف، فهاشم في عمود الشرف الذي تعدى شرفه برسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى إخوته، والمطلب أخوه الشافعي من ولده ثم عبد شمس أخوهما وعثمان من ولاه ثم نوفل أخوهم وجبير بن مطعم من ولده؛ فاقتص بسهم ذي القربة بنو هاشم وبنو المطلب دون بني عبد شمس ونوفل لقول رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "إن بني هاشم وبني المطلب شيء واحد لم يفترقوا في جاهلية ولا إسلام" يعني أنهم كانوا متناصرين بحلف عقدوه بينهم في الجاهلية، ويتميز به عن بني عبد شمس ونوفل، ولهذا الحلف دخل بنو المطلب مع بني هاشم الشعب بمكة حين دخله رسول الله - صلى الله عليه وسلم -.
وروى الزهري عن سعيا بن المسيب عن جبير بن مطعم أن النبي - صلى الله عليه وسلم - لم يقسم لبني وفقيرهم وقال أبو حنيفة: لا حق لغنيهم فيه وهذا خطأ من وجهين: