وأما جنس المال المعطى فلا بد أن يكون في جملة ما قدره من كفاياتهم طعام لأقواتهم وشعير لدوابهم وثياب لكسوتهم إلى غير ذلك مما يحتاج إليه أهل الأمصار فيجب اختلافها على قدر عاداتها، فيقوم ما سوى الحنطة والشعير ورقاً أو ذهباً، فأما الحنطة والشعير فينظر فإن كان في مال الفيء المستحق حنطة وشعير قدره لهم حباً، وأعطاهم إياه مع أرزاقهم من الورق والذهب، وان لم يكن في مال الفيء المستحق حنطة ولا شعير أعطاهم قسمته ورقاً أو ذهباً بسعر وقته والورق أخص بالعطاء من الذهب لأمرين:
أحدهما: ابتاع الأئمة الراشدين.
والثاني: أنه يصرف في قليل النفقات وكثيرها فلا يعدل عنه إلى الذهب إلا إذا كان مال الفيء ذهباً أو كان هو الأغلب، في معاملات الناس، فلو تعامل الناس بالفلوس لم يجعل ماء العطاء فلوساً، لأنها في المعاملات نادرة ولذلك خرجت عن أن يثبت فيها الربا، وتجب فيها الزكاة.
مسألة (١)
قال الشافعي:"ولم يختلف أحد لقيته في أن ليس للمماليك في العطاء حق ولا الأعراب الذين هم أهل الصدقة".
قال في الحاوي: وهذا كما قال:
المملوك لا يفرد له في العطاء سواء قاتل مع سيده أو تشاغل بخدمته لكن يزاد السيد في عطائه لما يتكلفه من نفقة عبده، وحكي عن أبي بكر الصديق رضي الله عنه أنه أعطى العبيد في أيام خلافته فلما أفضى الأمر إلى عمر بن الخطاب رضي الله عنه حرمهم ولم يعطهم وهو الأصح لأمرين:
أحدهما: أن العبد لا يملك وإنما هو عون لسيده عليه نفقته وكسوته وله كسبه.
والثاني: أنه ليس من أهل الجهاد فيعطى عطاء المجاهدين ألا تراه لو حضر الوقعة ثم يتعين عليه القتال فيها.
فإن قيل: فكيف قال الشافعي لم يتخلف أحد لقيته في أن ليس للمماليك في العطاء حق فادعى في ذلك الإجماع، وأبو بكر قد خالف ولا ينعقد الإجماع مع خلافه فعن ذلك ثلاثة أجوبة:
أحدها: أنه صار بذلك إلى من لقيه من أهل عصره وهو لم يعاصر الصحابة.
والثاني: قد يعقب خلاف الصحابة إجماع من بعدهم من الأعصار فصار حكم