للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

يؤد حقها إلا بطح يوم القيامة بقاع قرقر تطأه بأظلافها وتنطحه بقرونها كلما نفذت أخراها عادت أولاها" قيل: يا رسول الله وما حقها؟ قال: "إعارة دلوها، وإطراق فحلها، ومنحة لبنها" (١). وأما الإجماع فلا خلاف بين المسلمين في جوازها واستحبابها. لأنه لما جازت هبة الأعيان بالإجماع كذلك هبة المنافع كما تصح الوصية بهما. فإذا تقرر هذا فاعلم أنه لا تصح الإعارة إلا من جائز التصرف في المال، أما من لا يملك التصرف في المال كالصبي والسفيه لا تصح منه الإعارة ولا يجوز للعبد المأذون أن يعير خلافاً لأبي حنيفة ولا تنعقد إلا بإيجاب وقبول لأنه إيجاب حق لآدمي كالبيع والإجارة، وتصح بالقول من أحدهما: والفعل من الآخر فإن قال المستعير: أعرني فسلمها المعير إليه انعقد، وإن قال المعير: أعرتك فقبضها المستعير انعقد لأنه إباحة التصرف في ماله فتصح بالقول من أحدهما: والفعل من الآخر كإباحة الطعام. واعلم أن تمام العارية بالقبض ويصح القبض فيه بالإذن فيه من غير إقباض، ولا يصح القبض في الهبة بالإذن في القبض من غير إقباض، والفرق أن قبض المستعير لا يزول به ملك المعير فجاز أن يأذن بالتصرف فيه والقبض في الهبة مزيل لملك الواهب فلم يتم إلا بإقباض الواهب ولا تلزم العارية وله الرجوع فيها متى شاء، وقال مالك: إن قدر العارية بمدة تلزمه ولم يكن له الرجوع قبل انقضائها بناء على أصله الهبة تلزم بالقول من غير قبض وهذا غلط لأن لزومها يخرجها عن حكم العارية إلى حكم الإجارة فلا يجوز ذلك. ثم اعلم أنها مضمونة عندنا سواء تعدى فيها أو لم يتعد وسواء كان حيواناً أو غير حيوان، وسواء شرط الضمان أو لم يشرط وبه قال ابن عباس وعائشة وأبو هريرة رضي الله عنهم وهو مذهب عطاء وأحمد وإسحاق، وقال ربيعة: العارية مضمونة بكل حال إلا أن تكون حيواناً فيموت في يد المستعير فلا يضمنه، وقال مالك: إن كان مما يخفى [٣/أ] هلاكه ضمن، وإن كان مما يظهر لم يضمن، وقال أبو حنيفة: العارية أمانة غير مضمونة إلا بالتعدي وبه قال النخعي والشعبي وشريح والحسن والثوري والأوزاعي ويحكى هذا عن مالك وإسحاق، وروي هذا عن علي وابن مسعود رضي الله عنهما، وقال عثمان البتي: العارية مضمونة بكل حال إلا أن تكون حيواناً فلا يضمن سواء مات حتف أنفه، أو بفعل المستعير من غير تفريط، ويحكى هذا عن مالك أيضاً، وقال قتادة وعبيد الله العنبري وداود: إن شرط ضمانها على المستعير ضمن وإلا فلا يضمن وهذا كله غلط لما ذكرنا من خبر أبي هريرة وصفوان ولأنه أخذ ملك غيره لمنفعة نفسه منفرداً بها من غير استحقاق ولا إذن في الإتلاف فيضمنه كالمغصوب. واحتجوا بما روى عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال:


(١) تقدم تخريجه في "الزكاة".

<<  <  ج: ص:  >  >>