وقال القاضي الطبري: نص الشافعي أن المالك بالخيار إن شاء أخذ منه محل مكيلته ولا شيء له غيره لنقصان قيمته ويجبر الغاصب على هذا، وإن شاء طالبه بمثل زيته وهذا أصح. وأما المسألة الرابعة إذا خلطه بغير جنسه فإن كان مما يتميز عنه كالعسل يؤخذ بتمييزه ويلزمه أرش ما نقص من قيمته ومثل ما نقص من مكيلته، وإن كان لا يتميز كالشيرج والبان فهو كالمستهلك بلا خلافٍ لأن تمييزه لا يمكن ولا يجوز أخذه منه لأنه مختلط بغير جنسه فيلزمه [٣٨ /أ] أن يغرم مثل مكيلة زيته، وإن اتفقا محلى أخذ قدر مكيلته منه جاز لأن له أن يأخذ بدل حقه بما يتفقان عليه.
ومن أصحابنا من ذكر فيه وجهاً آخر أنهما يكونان شريكين فيه بقدر القيمة وهذا ضعيفٌ لأن الخلط ها هنا ينقص من كل واحد منهما بخلاف الزيتين إذا خلط الجيد بالرديء لأنه ينقص الجيد ويزيد الرديء فيكونان شريكين فيه، فإن قلنا بهذا الوجه الضعيف فطلبه القسمة ليأخذ ثلث الجملة فإن زيته كان يُسوى خمسةً وخلطه بما يُسوى عشرة فإن قلنا: القسمة بيع لا يجوز لأن اختلاط الزيت بغيره مفضي إلى التفاضل وإن قلنا: القسمة تمييز نصيبٍ جاز. وأما الخامسة إذا خلطه بالماء أو بشيء يتميز عنه قال الشافعي: إذا أمكن تمييزه حتى يحصل زيته لا ماء فيه ولا ينقص مخالطة الماء إياه أجبر المغصوب منه على قبوله ويجبر الغاصب على تمييزه وإن لحقه مؤونة وإن قيل: مخالطة الماء إياه تنقص قيمته فإن كان قد تناهى نقصانه أخذه وأرش النقصان، وإن لم يتناه نقصانه فيه قولان:
أحدهما: المالك بالخيار إن شاء أخذه وأرش ما نقص من قيمته على أنه إذا نقص بعده شيء أخر أقام البينة عليه وأخذه، وإن شاء طالبه بمثل مكيلة زيته من غيره.
والثاني: حكاه الربيح يعطيه هذا الزيت بعينه وما نقصه الماء كالحنطة إذا عفنت عند الغاصب ردها وأرش ما نقص بالعفونة وليس له المطالبة بمثل زيته من غيره لأن عين ماله موجودة متميزة فلا يملك المطالبة ببدلها.
ومن أصحابنا من قال: المسألة على قول واحدٍ والذي حكاه الربيع من كيسه وذلك لأن النقص ها هنا لم يستقر ويُخشى زيادته كل يوم ولا ندري قار ما يزيد حتى نوجب أرشه ويؤدي إلى التنازع أبداً وقد يؤول إلى الهلاك بفعل الغاصب فيجعل في الحال كالهالك فيرجح بمثله بخلاف الحنطة إذا عفنت لأن نقصانها مستقر متناهٍ، ومن أصحابنا من قال: أحد القولين ها هنا أنه يجعل كالمستهلك ويجب عليه بدله، ولو اختار الرجوع [٣٨/ب] إلى هذه العين وبما ينقص كل يوم لا يجبر الغاصب عليه، وقال بعض أصحابنا بخراسان: أحد القولين أن المالك بالخيار بين أن يترده ويضمنه ما نقص إلى الآن ولا شيء له في زيادة نقصان توجد بعده وبين أن يتركه به ويرجع بمثله وما تقدم أصح من هذين الطريقين.
فرع
لو غصب حنطةً فخلطها بحنطةٍ فالحكم فيه كما ذكرنا في الزيت إذا خلطه بأجود منه