للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

إذا اشترى زيتاً فخلطه بخيرٍ منه فيه قولان أحدهما: أنه يجعل كالمستهلك، والثاني: لا يجعل كالمستهلك فيكونان شريكين فمن أصحابنا من قال: ها هنا أيضاً قولان قال أبو إسحاق: وهذا محتمل في النظر ولكن الشافعي لم يومئ إليه.

ومن أصحابنا من قال: في الغصب قول واحد أنه كالمستهلك، والفرق بينه وبين المفلس أن هناك لا يمكنه الرجوع إلى كمال حقه إذا ضارب الغرماء فجعل شريكاً فيه، وها هنا يرجع في بدله وهو كمال حقه ثم إذا قلنا: إنه لا يجعل كالمستهلك فوجهه أن عين ماله موجودة مختلطة بغيره ولا يتميز عنه وكانا شريكين كما لو اشتريا صاعين معا وعلى هذا فيه قولان:

أحدهما: يباعان ويقسم الثمن بينهما.

والثاني: تقسم العين بينهما على قدر القيمتين وأخذ من هذا الزيت المختلط ثلث الصاعين لأن المالك لا يجبر على بيع ملكه ولا يؤدي هذا إلى الرّبا لأن الربا يدخل في البياعات ولم يجبر بين الغاصب والمغصوب في هذا بيع وإنما هو تارك إليه بعض المكيلة مشاعاً والأول اختيار أبي إسحاق، وأما الثانية إذا خلطه بمثله فظاهر النص ها هنا يدل على أنه كالمستهلك أيضاً، واختلف أصحابنا في هذا فقال ابن سريج وأبو إسحاق: ها هنا لا يجعل كالمستهلك قولاً واحداً ويرجع المالك إلى عين ماله وهو قدر مكيلته من هذه الجملة والشافعي جمع بين المسألتين [٣٧ /أ] ها هنا ورجع جوابه إلى الخلط بالخير دون الخلط بالمثل وكثيراً يفعل الشافعي ذلك، وقال غيرهما: هذا خلاف مذهب الشافعي لأنه أجاب عن المسألتين وفصَّل ذلك في "الأم" (١) فقال: وإن خلطه بمثله قيل للغاصب: إن شئت أعطيته مكيالاً من هذا الزيت لأنه غير مزدادٍ على حقه ولأنه لا يتميز زيته من زيتِه فيصير كالمستهلك فعلى هذا الخلط بالمثل كالخلط بالخير على ما ذكرنا ومن قال بالأول أجاب عن هذا بأنه يمكن ها هنا إجباره على إعطائه من عينه لأنه لا يؤدي إلى الضرر بالغاصب فأجبرناه، وأما الثالثة إذا خلطه بأردأ منه فالمنصوص ها هنا أنه كالمستهلك.

ومن أصحابنا من قال: يكون شريكاً فيه ولا يكون كالمستهلك، وقول الشافعي وإن خلطه بشرَّ منه أو صبَّه في بانٍ جوابه يرجع إلى مسألة واحدٍة وهي الصب في البان فإن قلنا: يكون شريكاً فيه يباع لهما ولكل واحد منهما من الثمن بحصة زيته، وفيه قول آخر تقسم الجملة بينهما على قدر القيمتين ولا يؤدي إلى الربا على ما ذكرنا وإذا قلنا: إنه مستهلك فحقه في ذمة الغاصب فعلى الغاصب أن يعطيه مثله من غيره فإن أراد أن يعطيه صاعاً من عينه لم يجبر المالك عليه لأنه دون حقه، وإن طالبه المالك بصاع من عينه لم يجبر الغاصب عليه، وإن كان المالك رضيَ بدون حقه وإن اتفقا على ذلك جاز، وان أراد أن يعطي منه زيادةً بقيمة زيته لم يجبر لأنه رباً.


(١) أنظر الأم (٣/ ٢٢٥).

<<  <  ج: ص:  >  >>