للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

الفصل

وهذا كما قال: إذا غصب ثوباً وزعفراناً من رجل فصبغه به قد ذكرنا هذه المسألة وأعادها الشافعي ها هنا لأن الزعفران إذا كان صحيحاً كان أثمن منه إذا كان مطحوناً، وروى الربيع مثل هذا اللفظ أيضاً وموضع الإشكال أنه قال: فربه بالخيار إن شاء أخذه، وإن شاء قومه أبيض وزعفرانه صحيحاً وضمنه قيمة ما نقص وهذا الثوب لم يحدث به نقصان لا نهاية له فكيف يتخير المالك في أخذه وتركه، وظاهر اللفظ [٤٢/أ] يقتضي تخييره فنقول: مراد الشافعي بذكر المشيئتين تنويع الحالتين أي: إن كان الثوب والصبغ غير ناقصين أخذ الثوب مصبوغاً ولا شيء له.

وقد قال في الكبير: ولا شيء له والمزني ما نقله، وإن كانت القيمة ناقصة أخذ الثوب ورجح على الغاصب بالنقص ويحتمل معنى ثانياً وهو أن رب الثوب بالخيار بين الاستقصاء في استيفاء حقه وبين المسامحة فإن اختار المسامحة أخذ الثوب مصبوغاً على أي حالٍ كان ولم يغرم الغاصب شيئاً، وإن شاء الاستقصاء قوّم الثوب أبيض وزعفرانه صحيحاً وغرمه ما نقص إلا أن هذا يضعف بما حكينا من لفظ الشافعي في الكبير حيث قال: أخذه ولا شيء له ومن كان له حق فتركه على وجه المسامحة لم يحسن أن يقال: ولا شيء له.

فرع

قال (١): ولو غصب من رجل سمناً وعسلاً ودقيقاً فعصده كان لصاحبه أن يقوم كل واحد منها على الانفراد ثم يقومها معصوداً، فإن نقصت قيمتها غرمه النقصان، وإن زادت قيمتها كانت له بزيادتها ولا حق للغاصب فيها ولا أجرة له ولا قيمة ما أحرقه من الحطب، وإن كان نقصانها غير متناهٍ فعلى ما ذكرنا.

فرع آخر

لو غصب حنطة فطحنها يلزمه ردها مطحونة فإن نقصت قيمتها يلزمه ما نقص من قيمتها وإن طحنها ناعمة فزادت قيمتها فلا أجرة للغاصب فيما فعل وعليه رد الدقيق إلى صاحبه ولا يملكه بالطحن، وقال أبو حنيفة: يملكه بالطحن وهذا غلط لأنه عدوان محض فلا يملك به المغصوب وهكذا الخلاف إذا غصب غزلاً فنسجه ثوباً أو حديداً فعمل منه السكاكين أو ثوباً فقطعه وخاطه قميصاً، أو غصب شاةً فذبحها وشواها ويمكن أن يقال: هذا النقص بالشيء غير مستقر لأنه في المتعقب فيكون الحكم فيه ما ذكرنا من الطريقين واحتج بما روي أن النبي - صلى الله عليه وسلم - زار قوماً من الأنصار في دارهم وقدموا إليه شاة مشوية فتناول منها لقمة فجعل يلوكها ولا يُسيغها فقال: أن هذه الشاة لتخبرني أنها أخذت بغير حق فقالوا: نعم يا وسول الله طلبنا في السوق فلم نجد فأخذنا شاةً لبعض جيراننا ونحن نرضيهم من ثمنها فقال النبي [٤٢/ب]- صلى الله عليه وسلم -: "أطعموها


(١) انظر الحاوي للماوردي (٧/ ١٩٨).

<<  <  ج: ص:  >  >>