أحدهما: ليس له ذلك لأنه حصل له الثمن وهو مقصوده فلا فرق بين أن يحصل ذلك له من المشتري أو من الشفيع ولأنه لا يؤمن إن أحلف أن يحكم بفسخ العقد وفيه إبطالّ لحق الشفيع فليس له ذلك.
والثاني: له ذلك لاستحقاق اليمين عليه بإنكاره ولما فيه من البنية بوصول الملك إلى مستحقه ولا يبطل بذلك حق الشفيع ولأنه قد تكون معاملة المشتري أسهل من معاملة الشفيع وهذا أصح فإذا قلنا: له محاكمة المشتري فالقول قول المشتري مع يمينه فإن حلف سقطت دعوى البائع ويأخذ الشفيع منه الشقص على ما ذكرنا، وإن نكل عن اليمين حلف البائع وثبت الشراء والشفعة وتكون عهدة الشفيع على المشتري وعهدة المشتري على البائع هذا كله إذا اعترف البائع بالبيع دون قبض الثمن فإن اعترف بالبيع وقبض الثمن أيضًا وأنكر المشتري الكل فهل للشفيع الشفعة؟ يبنى على المسالة الأولى فإن قلنا هناك: لا شفعة كما قال ابن سريج فها هنا أولى، وإن قلنا هناك: تثبت الشفعة فها هنا وجهان:
أحدهما:[١٠٢/ أ] لا شفعة لأنه لا يمكن دفعه إليه من غير ثمن ولا يمكن دفعه بالثمن لأن الثمن يستحقه المشتري ولا يمكن إجبار المشتري على قبض الثمن بعد يمينه أنه ما اشتراه وهذا اختيار أبي إسحاق وابن أبي هريرة.
والثاني: وهو قول الأكثرين له الشفعة لأن البائع أقر بحقي للمشتري وللشفيع معًا، فإذا لم يقبل المشتري كان للشفيع أن يقبل ويأخذ ثم إذا أخذ فهو معترف بالثمن للمشتري وهو ينكره فيه ثلاثة أوجه على ما بيناه وقيل: هل يقبض منه الثمن؟ وجهان فإذا قلنا: يقبض فيه وجهان أحدهما: يوضع في بيت المال موقوفًا للمشتري، والثاني: يدفع إلى البائع ويسترجع من البائع ما أقر بقبضه من المشتري ليكون هو الموقوف للمشتري في بيت المال ذكره في "الحاوي"، وحكي بعض أصحابنا عن ابن سريج أنه قال: في الصورة الأولى إذا أراد الشفيع دفع الثمن يرفع الأمر إلى القاضي ليقيم رجلًا مقام المشتري ويقبض له الثمن كيلا يكون متطوعًا بما أعطى ويصير ماله بعرض الهلاك لو أقر المشتري بالشراء وقال: دفعت الثمن من غير إذني والشقص لي، فإذا كان القابض قبضه بأمر الحاكم صح قبضه في حقه.
وقال بعض أصحابنا: لا يحتاج إلى هذا فإن الشفيع يقول: دفعت الثمن إلى البائع للضرورة وحين أنكرت أذن لي الشرع يدفعه فصار كأني دفعت بإذنك. واعلم أن المزني صوّر هذه المسألة حيث يكون البائع مع الإقرار بالبيع مقرًا بالقبض والإقباض والمشتري منكر فيحتمل أن كون هذا منه توسعًا في الكلام عند تصوير المسألة ولا فائدة في هذا التقييد ويحتمل أن يكون مراده يذكر هذا القبض قطع نوع من التوهم وهو أن البائع إذا أقر بأن المشترى قبض الشقص والمشتري جاحد فعلى الشفيع [١٠٢/ ب] تسليم الثمن