فيكون قراضاً على المشاع ويجوز ذلك عندنا، وان كان المال عرضا اختلف أصحابنا فيه قال أبو إسحاق: يجوز لأنه إنما لا يجوز ابتداء القراض على العروض وهذا ليس بابتداءٍ بل هو بناء على أمل القراض الذي عقده رب المال في هذا المال فجاز ذلك ويؤكده أن ملك الوارث في أحكامه مبني على ملك المورث في القديم وفي بعض كتبه الجديد حتى استجاز بناء حول الوارث في الزكاة على حول المورث، فجاز تقرير القراض ها هنا من غير أن يصير المال ناضاً.
قال القاضي الطبري: وهذا ظاهر مذهب الشافعي، وقال سائر أصحابنا: وهو اختيار ابن أبي هريرة وأبي حامد وهو القياس لا يجوز ذلك لأن القراض الأول بطل بالموت وهذا ابتداء قراض ثان فلا يجوز بالعرض وما قاله أبو إسحاق ينكسر بما لو دفع مالأ قراضاً فعمل فيه العامل وحصل المال عروضاً ثم تفاسخا القراض ثم أرادا أن يعقدا معه القراض لا يجوز، [(١٢٣) / أ] وان كان مبنياً على ما سبق وقول الشافعي: إن رضي ترك العامل على قراضه أراد إذا كان المال ناضاً، وإن مات العامل انفسخ أيضا ثم إن اختار المالك ووارث العامل ابتداء القراض، فإن كان ناضاً جاز، وان كان عرفا لم يجز بلا خلاف بين أصحابنا بالعراق، والفرق ما ذكره أبو إسحاق وذلك أن وارث رب المال قد ورث المال وخلفه فيه فكان إقراره إياه على المال بمنزلة الاستدامة فجاز على العرض وليس كذلك وارث العامل لأنه لا يرث شيئا فلم يجز أن يقر عليه إلا على الوجه الذي يجوز الابتداء وهو أن يكون ناضاً.
وقال بعض أصحابنا بخراسان: إذا جعل الشافعي أحكام الوارث مبنية على أحكام المورث يحتمل أن يقال: يجوز تقرير القراض بين الوارثين بعد موت المتقارضين من غير أن يصير المال ناضاً ذكره الإمام أبو محمد الجويني وهذا غريب, وقال أيضا: قال الشافعي: إذا مات المال فإن رضي ترك المقارض على قراضه وإلا فقد انفسخ قراضه، وظاهره أنه لو أواد وارث المال تقرير العامل على ذلك القراض من غير استئناف عقد كان له ذلك, ثم قال: إذا مات العامل لم يكن لوارثه أن يعمل مكانه فظاهره أنه لا يجوز تقريره على القراض بالعقد الأول، ومعلوم أن القراض من الجانبين عقد جائز فالواجب التسوية بين الموتتين، فإن قلنا في رب المال: إذا مات لا يجب الاستئناف ففي العامل يجب أن نقول مثل ذلك وان قلنا في العامل لا يجوز إلا الاستئناف ففي المالك كذلك فمن أصحابنا من يتأول آخر كلامه على موافقة أوله فنقول: معنى قوله: لم يكن لوارثه أن يعمل إذا لم يرض بعمله رب المال فإن رضي كان له أن يعمل كما قال في موت الملك ووارثه، ومن أصحابنا من يفصل بين الموتتين على ظاهر النصين [(١٢٣) / ب] فقال: يجوز لوارث رب المال تقرير القراض نازلاً في ذلك منزلة أبيه لأن أصل الملك في هذا الجانب فيخلف الوارث مورثه في حق الملك وليس من جانب العامل أصل الملك فافترقا، وأصحابنا بالعراق قالوا: يفتقر إلى تجديد العقا في كلا الموضعين وهو الصحيح، وقال القفال: تقرير المالك الوارث استئناف عقد، وان كان بلفظ التقرير ويجوز ذلك.