يفصل بين أن يتلف بعمله الذي لم يتعدّ فيه أو دون عمله.
وروى الحارث أن الشافعي سلم بمصر ثيابًا مرتفعةً إلى قصارٍ فاحترق دكان القصار واحترقت الثياب فتشفع القصار إليه بقومٍ في الصبر عليه إلى أجلٍ فقال: لا أضمنه شيئًا لأنه لم يصح عندي أن الصنَّاع يلزمهم الضمان هذا إذا كان الأجير مشتركًا وهو يعمل له ولغيره يكون مشتركًا بين الناس كلهم. فأما الأجير المنفرد وهو إذا استأجر رجلًا شهرًا ليعمل له عملًا فمنفعته في هذه المدة صارت مستحقة لهذا المستأجر وليس له أن يعمل فيها لغيره، قال في "الإفصاح": فيه قولان أيضًا ولا فرق بين الأجير المشترك والمنفرد، لأن الشافعي قال: والأجراء كلهم سواء.
ومن أصحابنا من قال: لا ضمان على الأجير المنفرج قولًا واحدًا وهذا اختيار ابن أبي أحمد لأن منفعته صارت مملوكة للمستأجر، فإذا سلم ثوبه إليه فهو في الحكم في يده وقبضه وكان بمنزلة ما لو حمل الصانع إلى بيته والطريقة الأولى أصح، وقال في "الحاوي": الخياط الذي يعمل في دكان نفسه لرجلٍ واحدٍ ولا يعمل لغيره ومستأجره غائب عنه قال أبو إسحاق: وهو مذهب البصريين هو في حكم الأجير المنفرد لاختصاصه بمستأجر واحد.
وقال ابن أبي هريرة: وهو مذهب البغداديين هو في حكم الأجير المشترك لاختصاصه باليد والتصرف دون المستأجر وقيل: صورة المشترك أن يستأجره ليعمل له شيئًا، وقال له: اعمل فيه في أي موضع شئت فجعله شريكًا في الرأي والتدبير. والمنفرد أن يقول له: اعمل في هذا الموضع ولا تعمل في غيره، والصحيح في صورة المشترك والمنفرد ما ذكرنا أولًا، وقال أبو يوسف ومحمد: إن تلف بأمر ظاهرٍ كالحريق [١٨٨/ أ] والنهب لا ضمان، وإن تلف بغير ذلك ضمن.
وقال أبو حنيفة: إن تلف بفعله ضمن وإن دقَّ دقّ مثله ولم يتعدَّ إذا كان مشتركًا، وإن كان منفردًا لا يضمن وإن تلف بغير فعله لا ضمان أصلًا وهذا غلط لأن الضمان بالخرق عند الدق، وإن كان بالتعدي فلا فرق فيه بين المنفرد وغيره، وإن لم يكن بالتعدي فيجب أن يضمنا أيضًا، وإن كان بالتلف من غير التعدي فعلهما وعندنا إذا لم يبالغ في غسل الثوب ودقّة مبالغة تؤدي إلى حرقه أو خرقه لا يضمن.
واحتج المزني على اختياره بثلاثة أشياء.
أحدها: قال: قطع الشافعي بأن لا ضمان على الحجام يأمره الرجل أن يحجمه أو يختن غلامه أو يبيطر دابته.
والثاني: قال: وما علمت أحدًا ضمن الراعي المنفرد بالرعي.
والثالث: قال: قال الشافعي: لو اكترى رجلًا ليحفظ متاعه في دكانه فاحترق المتاع لا ضمان عليه. قال: فإذا ألقوا عن هؤلاء الضمان لزمهم إلقاؤه عن الصناع يعني بذلك