لو اكتال الجمال زائدًا فقال رب الطعام في الموضع الحاصل فيه ردها إلى الموضع الذي حملت منه، وقال الجمال: أنا اضمن لك وأرد مثلها في ذلك الموضع فيه وجهان أحدهما: قاله أبو إسحاق وابن أبي هريرة القول قول رب الطعام كما في الغاصب، والثاني: القول قول الجمال ويأخذ الزيادة مضمونة [١٩٣/ أ] ليرد مثلها في الموضع المحمول منه لأن الزيادة لما اتصلت فارقت حكم الغصب. وإن كان المحمول مما لا مثل له كالسويق أو الدقيق لزم الجمَّال رد الزيادة بعينها إلى البصرة في الوجهين جميعًا.
مسألة: قال: "ومعلم الكتاب والآدميين مخالف لراعي البهائم".
الفصل
وهذا كما قال: إذا ضرب المعلم صبيًا فمات، أو ضرب الزوج زوجته فماتت وكان الضرب بحيث لا يقتل مثله غالبًا فالدية تجب على عاقلته في ثلاث سنين قولًا واحدًا، وتكون الدية مغلَّظة لأن ذلك شبيه العمل، وإن كان ضربًا يقتل في الغالب يجب القصاص عليهما لأنه قتل عمد ولا فرق بين أن يضرب بإذن والده أو بغير إذنه لأن الضمان فيه لا يسقط بإذن الغير. ولو كان عبدًا فضربه بإذن سيده ولم يجاوز القدر المأذون فمات لم يضمن، ولو قال: أدّب عبدي فضربه فمات قال القفال: يضمن لأنه بان لنا أنه كان متعديًا بضربه، وكذلك الإمام إذا ضرب رجلًا في التعزير فمات يضمن قولًا واحدًا، وقال أبو حنيفة: لا يضمن وهذا بناء على أن التعزير عنده واجب وعندنا لا يجب.
واحتج الشافعي على أنه لا يجب بأن قال: قد فعل غير شيء في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم غير حدٍ يعني ارتكبوا أشياء كثيرة سوى الحدود فلم يضرب فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم من ذلك الغلول في الغنيمة ومن ذلك الاعتراض على رسول الله صلى الله عليه وسلم في قسمة الغنائم حيث قال له قائل: أعدل فإنك لم تعدل، وقال له قائل: اتق الله يا محمد، وغير ذلك، وما أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم بحدٍ قط إلا استوفاه ولم يعف فلو كان التعزير جاريًا مجرى الحد لكانت عادة الرسول صلى الله عليه وسلم فيهما واحدة، فإذا تقرر هذا هل يلزم ضمان ذلك على عاقلة الإمام أو في بيت المال؟ قولان أحدهما: يلزم على عاقلته لما احتج الشافعي ها هنا أن عمر رضي الله عنه بعث إلى امرأةٍ رسولًا في شيء بلغه عنها ففزعت وكانت حبلى فأسقطت [١٩٣/ ب] فاستشار الصحابة فقال له عبد الرحمن بن عوف: إنك مؤدب لا شيء عليك، وقال عليّ: إن كان اجتهد فيه فقد أخطأ، وإن كان لم يجتهد فيه فقد غش عليك الدية فقال عمر رضي الله عنه: عزمت عليك ألا تجلس حتى تقسمها على