والثاني: أنه يصرف في وجوه الخير والبر لعموم النفع بها.
والثالث: وهو مذهب له أن الأصل وقف والمنفعة له، ولورثته، وورثة ورثته ما بقوا، فإذا انقرضوا كانت في مصالح المسلمين فكأنه وقف الأصل واستبقى المنفعة لنفسه ولورثته.
وإن قيل: فلو قال وقفتها على من يولد لي وليس له ولدًا يجوز؟
قيل: لا، والفرق بينهما أنه مع الإطلاق قد يحمل بالعرف على جهة موجودة مع تعيين الحمل قد حمله على جهة غير موجودة.
فلو قال: وقفتها على جميع المسلمين أو جميع الخلق أو على كل شيء فهو وقف باطل لعلتين:
إحداهما: أن الوقف ما كان سبيل مخصوص الجهات لتصرف وليس كذلك هذا.
والثانية: أنه لا يملك استيفاء هذا الشرط، ولو وقفها على الفقراء والمساكين جاز، وإن لم يمكن وقفها إلى جميعهم لأمرين:
أحدهما: أن الجهة مخصوصة.
والثاني: أن عرف الشرع فيهم لا يوجب استيعاب جميعهم، كالزكاوات، ولو وقفها على قبيلة لا يمكن استيفاء جميعهم كوقفة إياها على ربيعة أو مضر أو على بني تميم ففيه وجهان:
أحدهما: أن الوقف باطل تعليلًا بأن استيفاء جميعهم غير ممكن وليس في الشرع لهم عرف.
والثاني: أن الوقف جائز تعليلًا بأن الجهة مخصوصة معروفة ويدفع إلى من أمكن منهم كالفقراء والمساكين، وهذا حكم الشرط الأول وما يتفرغ عليه.
فصل:
والشرط الثاني: أن تكون مسبلة مؤبدة لا تنقطع، فإن قدره بمدة بأن قال وقفت داري على زيد سنة لم يجز، وأجازه ما ملك، وبه قال أبو العباس بن سريج، فقال: لأنه لما جاز له أن يتقرب بكل ماله وببعضه جاز له أن يتقرب به في كل الزمان وفي بعضه، قال أبو العباس وإن قيل فهذه عارية وليست وقفًأ.
قيل له: ليس كذلك فإن العارية يرجع فيها وهذه لا رجعة فيها، أو هذا خطأ لقوله صلى الله عليه وسلم: "حبس الأصل وسبل الثمرة" وهذا أصل غير محبس ولأنه لو جاز أن يكون وقف إلى مدة لجاز أن يكون عتق إلى مدة، ولأنه لو جرى مجرى الهبات فليس في الهبات رجوع وإن جرى مجرى الوصايا والصدقات فليس فيها سد زوال الملك رجوع، ولهذا فرقنا بين أن يقف بعض ماله فيجوز، وبين أن يقف في بعض الزمان فلا يجوز، لأنه ليس في وقف بعض ماله رجوع في الوقف، وفي وقفه في بعض الزمان رجوع في الوقف،