وإذا صح أن الوقف إلى مدة لا يجوز فكذلك الوقف المتقطع وإن لم يتقدر بمدة لا يجوز.
مسألة:
أن يقول وقفت بعده الدار على زيد ولم يذكر آخره لم يصح لأن زيدًا يموت فيصير الوقف منقطعًا وكذلك لو قال على زيد وأولاده وأولاد أولاده ما تناسلوا لأنه وقف لا يعلم تأبيده لجواز انقراضهم فصار وقفًا منقطعًا، وهكذا لو وقف على مسجد أو رباط أو نفر لأن المسجد والرباط قد يخربان ويبطلان والثغر قد يسلم أهله فصار منقطعًا حتى يقول فإن بطل فعلى الفقراء والمساكين.
وأما إن وقفه على قراء القرآن لم يكن منقطعًا، لأنهم باقون ما بقى الإسلام، وقد تكفل الله تعالى بإظهاره على الدين كله، وهكذا لو وقفه على المجاهدين في سبيل الله كان وقفًا باقيًا إذا لم يكن على ثغر بعينه وإذا لم يجز بما وصفنا أن يكون الوقف مقدرًا ولا منقطعًا ففيه قولان إن فعل ذلك.
أحدهما: باطل؛ دون حكم الوقف أن يكون مؤبدًا، والمنقطع غير مؤبد فلم يصر وقفًأ.
والثاني: أن الوقف جائز، لأنه إذا كان الأصل موجودًا لم يحتج إلى ذكر من ينتقل إليه كالوصايا والهبات.
فإذا قيل ببطلان الوقف كان ملك الواقف ولا يلزم في الأصل، ولا في غيره، وله التصرف فيه كسائر أملاكه.
وإذا قيل: بجواز الوقف كان على الأصل الموجود ما كان باقيًا لا حق لواقفه فيه فإذا هلك الأصل وهو أن يموت الوقف فينقطع مسبله فلا يخلو حال الواقف في شرطه الواقفة من ثلاثة أحوال:
أحدها: أن يشترط تحريمها وتأبيدها.
والثاني: أن يشترط رجوعها إليه.
والثالث: أن يطلق، وإن شرط رجوعها إليه ففيه وجهان:
أحدهما: وهو قول أبي العباس بن سريج وهو مذهب مالك أنهما ترجع إليه لما ذكرنا لهما من الآثار لموجب الشرط.
والثاني: وهو الأصح، لأنها لا ترجع تغليبًا للحكم في الوقف على الشرط، وإن اشترط تأبيدها أو أطلق لم يرجع إليه لا يختلف، لأن تعيين الأصل قد أخرجه عن ملكه، وفي مصرفه ثلاثة أوجه:
أحدها: يصرف في وجوه الخير والبر لأنها أعم.
والثاني: في الفقراء والمساكين، لأنهم مقصود الصدقات.