والثالث: وهو مذهب الشافعي نص عليه في هذا الموضع وغيره أنه يرد على أقارب الواقف لكن أطلق المزني والربيع ذكر الأقارب ولم يفرق بين الفقراء والأغنياء، وروى حرملة أنه يرد على الفقراء من أقاربه، وكان بعض أصحابنا يخرج اختلاف الرواية على اختلاف قولين:
أحدهما: يرد على الفقراء والأغنياء من أقاربه، وهو ظاهر ما رواه المزني والربيع.
والثاني: يرجع على الفقراء منهم دون الأغنياء، وهو نص ما رواه حرملة، وقال جمهور أصحابنا: ليست الرواية مختلفة وإنما اختلاف المزني والربيع محمول على تقييد حرملة ويرد على الفقراء من أقاربه دون الأغنياء، لأنه مصرف الوقف المنقطع في ذوي الحاجة وإنما خص الأقارب صلة الرحم كالزكاة، وإذا تقرر ما وصفنا فلا يخلو حال الوقف من أربعة أقسام:
أحدها: أن يكون على أصل موجود وفرع موجود.
والثاني: أن يكون على أصل معدوم وفرع معدوم.
والثالث: أن يكون على أصل موجود وفرع معدوم.
والرابع: أن يكون على أصل معدوم وفرع موجود.
فأما القسم الأول: وهو أن يكون على أصل موجود وفرع موجود فهو أن يقول: وقفت الدار على زيد فإذا مات فعلى الفقراء والمساكين، فهذا جائز، لأنه قد جعل زيدًا أصلًا وهو موجود، والفقراء والمساكين فرعًا وهو موجودون، وهكذا إذا قال: وقفتها على زيد وأولاده وأولاد أولاده ما تناسلوا ثم على الفقراء والمساكين وإن لم يكن أولاد زيد موجودين، لأنهم تبع لموجود ويتعقبهم فرع موجود، ومن هذا الوجه صار الوقف ملحقًا بالوصايا في فرعه.
وأما القسم الثاني: وهو أن يكون أصل معدوم وفرع معدوم، فهو أن يقول: وقفتها على من يولد ثم على أولادهم وأولاد أولادهم ما تناسلوا، فهذا وقف باطل، لأن من يولد له معدوم، ومن هذا الوجه صار ملحقًا بالهبات ثم يكون ما وقفه على ملكه قولًا، واحد بخلاف ما وقفه وقفًا مرسلًا لما ذكرنا من الفرق بين الأمرين.
وأما القسم الثالث: وهو أن يكون على أصل موجود وفرع معدوم فهو ما ذكرنا من المقدر والمنقطع وفيه ما وصفنا من القولين.
وأما القسم الرابع: هو أن يكون على أصل معدوم وفرع موجود، فهو أن يقول: وقفتها على من يولد لي، ثم على أولادهم، فإذا انقرضوا فعلى الفقراء والمساكين، فقد اختلف أصحابنا فكان أبو علي بن أبي هريرة يخرجها على قولين كما لو كان على أصل موجود وفرع معدوم.
أحدهما: باطل لعدم أصله.
والثاني: جائز لوجود فرعه وكان أبو إسحاق المروزي يجعل الوقف باطلًا قولًا