واحداً، وهذا هو الصحيح، والفرق بين هذا وبين أن يكون على أصل موجود وفرع معدوم أن ما عدم أصله فليس له مصرف في الحال، وإنما ينتظر له مصرف في ثاني حال، فبطل وما وجد، فله مصرف في الحال، وأما ما يخاف عدم مصرفه في ثاني حال فلو قال: وقفتها على الفقراء والمساكين إلا أن يولد لي ولد فيكون الوقف له ولولده وأولادهم ما تناسلوا، وإذا انقرضوا فالفقراء والمساكين، وهذا وقف جائز، لأن الفقراء فيه أصل وفرع، وإنما جعل ما بين الأصل والفرع معدوما، فلم يمنع من صحة الوقف، كما لو وقفه على ولد له موجود ثم على أولاده الذين لم يولدوا بعد ثم على الفقراء والمساكين كان الوقف جائزاً فهذا حكم الشرط الثاني وما تفرع عليه.
والشرط الثالث: أن يكون على جهة تصح ملكها أو التملك لها، لأن غلة الوقف مملوكة، ولا تصح إلا فيما يصح أن يكون شي، من ذلك مالكاً.
قيل: هذا وقف على كافة المسلمين وإنما عين مصرفه في هذه الجهة فصار مملوكا مصروفاً في هذه الجهة من مصالحهم.
فعلى هذا لو قال: وقفت داوي على دابة زيد لم يجز، لأن الدابة لا تملك ولا يصرف ذلك في نفقتها، لأن نفقتها تجب على المالك، وهكذا لو قال: وقفتها على دار عمرو لم يجز, لأن الدار لا تملك فلو وقفها على عمارة دار زيد، نظر فإن كانت دار زيد وقفا صح هذا الوقف، لأن الوقف طاعة وحفظ عمارته قربة، فصار كما لو وقفها على مسجد أو رباط أو كانت دار زيد ملكاً طلقاً، بطل هذا الوقف عليها, لأن الدار لا تملك وليس استيفاؤها واجباً إذ لزيد بيعها، وليس في حفظ عمارتها طاعة، ولو وقفها على عبد زيد، نظر فإن كان الوقف على نفقة العبد لم يجز، لأن نفقته على سيده وان كان الوقف ليكون العبد مالكاً لغلته فعلى قولين من اختلاف قوليه في العبد هل يملك إذا أم لا؟ ولو وقفها على المكاتبين أو على مكاتب بعينه كان الوقف جائزاً لأن سهام الزكوات أغلظ حكماً، وفيها سهم الرقاب، ولو وقفتها على مدبر كان كالعبد وكذلك أم الولد، ولكن لو وقفها على عبده أو مدبره أو مكاتبه أو أم ولده قبل موته لم يجز, لأنه كالوقف على نفسه فهذا حكم الشرط الثالث.
فصل:
والشرط الرابع: أن لا يكون على معصية فإن كان على معصية لم يجز, لأن الوقف طاعة تنافي المعصية فمن ذلك أن يقفها على الزناة أو السراق أو شراب الخمر أو المرتدين عن الإسلام فيكون الوقف في هذه الجهات باطلاً, لأنها معاصي يجب الكف عنها فلم يجز أن يعان عليها فلو وقفها على رجل بعينه فكان الرجل حين وقفها عليه مرتداً فعلى الوقف وجهان: