يجز، وقال أبو يوسف: يجوز وقف الرجل على نفسه وبه قال أبو عبد الله الزبيري هن أصحابنا.
وقال مالك: إن شرط أول الوقف لنفسه جاز، وان شرط جميعه لنفسه لم يجز، وبه قال أبو العباس بن سريج، واستدلوا بأن النبي صلى الله عليه وسلم قال حين ضاق المسجد به، "من يشري هذه البقعة ويكون فيها كالمسلمين وله في الجنة خير منها" فاشتراها عثمان وقال في بئر روقة من يشتريها من ماله" واشتراها عثمان رضي الله عنه واشترط فيها رشا كرشا المسلمين بأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال الزبيري: كيف ذهب هذا على الشافعي واستدلوا بقول النبي صلى الله عليه وسلم لصاحب البدنة: "اركبها إذا ألجئت إليها حتى تجد ظهراً" فجعل له الانتفاع بما أخرجه من ماله الله تعالى ولأن النبي صلى الله عليه وسلم أعتق صفية، وجعل عتقها صداقها فعاد إليه بعد أن أخرجه الله، ولأن عمر بن الخطاب رضي الله عنه وقف داراً له فسكنها إلى أن مات، وأن الزبير بن العوام جعل رباعه صدقات موقوفات فسكن منزلاً منها حتى خرج إلى العراق, ولأنه لما استوي هو وغيره في الوقف العام جاز أن يستوي هو وغيره في الوقف الخاص.
ودليلنا هو أن وقفه على نفسه لا يجوز لقوله صلى الله عليه وسلم حبس الأصل وسبل الثمرة وبتسبيل الثمرة يمنع أن تكون له فيها حق ولأن الوقف صدقة، ولا تصح صدقة الإنسان على نفسه، ولأن الوقف عقد يقتضي زوال الملك فصار كالبيع والهبة، فلما لم تصح مبايعة نفسه ولا الهبة بها لم يصح الوقف عليها، ولأن استثناء منافع الوقف لنفسه كاستثنائه في العتق بعض أحكام الرق لنفسه فلما لم يجز هذا في العتق لم يجز مثله في الوقف، ولأن الوقف يوجب إزالة ملك باستحداث غيره وهو إذا وقف على نفسه لم يدل بالوقف ملكاً ولا استحدث به ملكاً فلم يجز أن يصير وقفاً وأما الجواب عن استدلالهم بأن عثمان شرط في بئر رومة أن لا يكون دلوه كدلاء المسلمين، فهو أن الماد على أصل الإباحة لا يملك بالإجازة فلم يقف ما اشترطه لنفسه من البئر شيئاً ولو لم يذكر ذلك لكان دلوه فيها كدلاء المسلمين وإنما ذكر هذا الشرط ليعلمهم أنه لم يستأثر بها دونهم وأنه فيها كأحدهم.
وأما الجواب عن قوله لصاحب البدنة: "اركبها إذا ألجت إليها حتى تجد ظهورا"، فمن وجهين:
أحدهما: أنه ليس المقصود من البدنة منافعها فجاز أن يعود إليه والمقصود من الوقف منافعه فلم يجز أن يعود إليه.