للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فاستؤجرت للزرع فهذا على ضربين:

أحدهما: أن يكون الماء كثيرًا يمنع من مشاهدتها لكدره وكثرته ولم تتقدم رؤية المستأجر لها قبل علوه فالإجارة باطلة للجهل بحال ما تناوله العقد.

والثاني: أن يكون الماء صافيًا لا يمنع من مشاهدتها، أو يكون قد تقدم رؤية المستأجر قبل علو الماء عليها، وإن كان مانعًا من مشاهدتها فهما في الحكم سواء فهذا على ضربين

أحدهما: أن يستأجرها لما يمكن زرعه مع بقاء الماء عليها كالأرز فالإجارة جائزة.

والثاني: أن لا يمكن زرعه مع بقاء الماء عليه كالحنطة فهذا على ثلاثة أقسام:

أحدها: أن يعلم بجاري العادة أن الماء لا ينحسر عنها قبل وقت الزراعة فالإجارة باطلة لأن استيفاء ما استؤجرت له متعذر.

والثاني: أن يشك في انحسار الماء عنها قبل وقت الزراعة فالإجارة باطلة إسقاطًا للشك واعتبارًا باليقين في بقاء الماء والله أعلم.

والثالث: أن يعلم أن الماء ينحسر عنها يقينًا قبل وقت الزراعة، فإن كان لأن لها مغيضًا يمكن إذا فتح الماء أن يفيض فيه فالإجارة جائزة للقدرة على إرسال مائها، والمكنة من زراعتها، وإن كان ذلك للعادة الجارية فيها فإنها تشرب ماءها، وتنشفه الأرض والرياح عرفًا قائمًا فيها، وعادة جارية لا يختلف فيها، ففي صحة إجارتها وجهان:

أحدهما: وهو قول أبي إسحاق المروزي، والظاهر من مذهب الشافعي رضي الله عنه أن الإجارة جائزة لما استقر من العرف فيها.

والثاني: حكاه أبو علي بن أبي هريرة عن بعض المتقدمين أن الإجارة باطلة لأن زرعها في الحال غير ممكن وارتقاء الماء عليها يقين.

مسألة:

قَالَ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى: "وَإِنْ غَرَّقَهَا بَعْدَ أَنْ صَحَّ كِرَاؤُهَا نِيلٌ أَوْ سَيْلٌ أَوْ شَيْءٌ يُذْهِبُ الْأَرْضَ أَوْ غُصِبَتِ انْتَقَضَ الْكِرَاءُ بَيْنَهُمَا مِنْ يَوْمِ تَلِفَتِ الْأَرْضُ".

قال في الحاوي: وصورتها في أرض استؤجرت للزرع فغرقت، أو غصبت فلا يخلو حال غرقها أو غصبها من أحد أمرين، إما أن يكون زمانًا يسيرًا كالثلاث فما دون فالإجارة صحيحة لا تبطل بما حدث من غرقها أو غصبها في هذه المدة اليسيرة، لكنه عيب قد طرأ والمستأجر لأجله بالخيار بين المقام أو الفسخ، وإن كان الزمان كثيرًا فهذا على ضربين:

أحدهما: أن يكون في ابتداء المدة من حين الإجارة، فقد بطلت للحائل بين

<<  <  ج: ص:  >  >>