قال في الحاوي: وهذا كما قال، إذا استأجر الرجل أرضًا، فزرعها، ثم هلك الزرع بزيادة ماء أو لشدة برد، أو دوام ثلج، أو أكل جراد، فالإجارة بحالها، ولا خيار للمستأجر فيها: لأن الأرض المعقود عليها سليمة يمكن استيفاء منافعها، وإنما حدثت الجائحة في مال لم تبطل الإجارة لسلامة المعقود عليه، ولو احترق الدكان بطلت الإجارة لتلف المعقود عليه.
قال في الحاوي: وهذا كما قال إذا استأجر أرضًا ليزرعها حنطة فله أن يزرع الحنطة وغير الحنطة مما يكون ضرره مثل ضرر الحنطة أو أقل، وليس له أن يزرعها ما ضرره أكثر من ضرر الحنطة، وقال داود بن علي: "لا يجوز إذا استأجرها لزرع الحنطة أن يزرعها غير الحنطة، وإن كان ضرره أقل من ضرر الحنطة استدلالًا بقوله تعالى:{أَوْفُوا بِالْعُقُودِ}[المائدة: ١] فلم يجز عما تضمنه العقد، قال ولأنه لما لم يجز إذا اشترى بدراهم بأعيانها أن يدفع غيرها من الدراهم وإن كانت مثلها لما فيه من العدول عما اقتضاه العقد، كذلك في إجارة الأرض لزرع الحنطة لا يجوز أن يعدل فيها عن زرع الحنطة.
ودليلنا هو أن ذكر الحنطة في إجارة الأرض إنما هو لتقدير المنفعة به لا لتعيين استيفائه، ألا تراه لو تسلم الأرض ولم يزرعها لزمته الأجرة لأن ما تقدرت به المنفعة المستحقة قد كان ممكنًا من استيفاءه، ولو تعين الاستيفاء بالعقد ما لزمته الأجرة.
فإذا ثبت أن ذكر الحنطة لتقدير المنفعة، فهو إذا استوفى المنفعة بما تقدرت به في العقد وبغيره جاز، كما لو استأجر لحمل قفيز من حنطة فحمل قفيزًا غيره، وكما لو استأجرها ليزرع حنطة بعينها فزرع غيرها، ولأن عقد الإجارة يتضمن أجرة يملكها المؤجر ومنفعة يملكها المستأجر، فلما جاز للمؤجر أن يستوفي حقه من الأجرة كيف شاء بنفسه وبوكيله وبمن يحيله جاز للمستأجر أن يستوفي حقه من المنفعة كيف شاء بزرع الحنطة وغير الحنطة وبإعارتها لمن يزرعها وبتركها وتعطيلها.
فأما استدلاله بقوله تعالى:{أَوْفُوا بِالْعُقُودِ}[المائدة: ١] فمثل الحنطة مما تضمنه