وإذا وقف صاحب الغرس والبناء غرسه وبناءه قائمًا صح للوقف ولم يكن لرب الأرض أن يبذل له قيمة ذلك قائمًا لأنه وقف لا يصح بيعه، وله أن يأخذ الواقف بقلعه إن بذل له أرض نقصه، فإذا قلعه لزمه أن ينقله إلى أرض أخرى يكون وقفًا فيها جاريًا على سبيله.
قد ذكرنا أن ما قبضه المستأجر عن عقد صحيح فمنافعه مضمونة عليه سواء تصرف فيه أو لم يتصرف، فأما ما قبضه عن عقد فاسد من أرض أو دار فهو أيضًا ضامن لأجرة مثلها سواء سكن وتصرف أو لم يسكن ولم يتصرف.
وقال أبو حنيفة: إن تصرف ضمن الأجرة، وإن لم يتصرف لم يضمنها استدلالًا بأنه عقد لا يستحق فيه التسليم فلم يستحق فيه العوض إلا بالانتفاع، كالنكاح الفاسد طردَا، والصحيح عكسًا.
ودليلنا هو أنها منافع يضمنها في العقد الصحيح فوجب أن يضمنها في العقد الفاسد، وإن تصرف، ولأن ما ضمنه من المنافع بالتصرف ضمنها بالتلف على يده من غير تصرف كالعقد الصحيح، ولأن المنافع جارية مجرى الأعيان في المعاوضة والإباحة، ثم ثبت أن ما قبض من الأعيان عن عقد فاسد فهو مضمون عليه، سواء تلف بتصرفه، أو غير تصرفه كالعقد الصحيح وجب أن تكون المنافع إذا تلفت مضمونة في العقد الفاسد كضمانها في العقد الصحيح.
فأما الجواب عن قياسه على النكاح الفاسد، فهو أنه إن كانت المنكوحة حرة فالحرة لم تزل يدها عن نفسها ولا عن بضعها فلذلك لم يضمن مهر بضعها إلا بالتصرف وإن كانت أمة فإنه وإن استقر الغصب على منافعها فهو غير مستقر على بضعها بل يدها عليه أثبت، ولذلك وجب على الغاصب أجرة مثلها، استخدم أو لم يستخدم، ولم يجب عليه مهر مثلها ما لم يستمتع بها، ولذلك منع سيد الأمة من بيعها إذا غصبت لأن يد الغاصب حائلة، ولم يمنع من تزويجها إذا غصبت، لأنه ليس للغاصب على البضع يد حائلة، والله أعلم وأحكم.