نفس إمامه، ولأن ما ثبت أصوله من المباحات لم يملك بغير إذن الإمام كالمعادن، ولأن وجوه المصالح إذا كان اجتهاد للإمام فيها يقطع الاختلاف والتنازع فيها كان إذن الإمام شرطًا في ثبوت ملكها قياسًا على بيت المال، ودليلنا قوله صلى الله عليه وسلم: من أحيا أرضًا مواتًا فهي له، فكان على عمومه فيما كان بإذنه الإمام بغير إذنه، ولأن ما يبتدئ المسلم بملكه لا يفتقر إلى إذن الإمام كالصيد، ولأن كل ما لا يفتقر بملك الصيد إليه لم يفتقر إلى إذن الإمام كالصيد ولأن كل ما لا يفتقر بملك الصيد إليه ما لم يفتقر الإحياء له كإذن غير الإمام، ولأن كل ما لا ينحصر على الإمام الإذن فيه لم يفتقر الإحياء له كإذن غير الإمام، ولأن كل مال لم يملكه مسلم لم يفتقر المسلم في تملكه إلى إذن الإمام كالغنائم، ولأنه نوع تمليك فلم يفتقر إلى إذن الإمام كالبيع والهبة، ولأن الإذن في التمليك إنما يستفاد به رفع الحجر عن المتملك والموات مرفوع الحجر عنه فلم يفده الإذن صحة التمليك، فأما الجواب عن قوله صلى الله عليه وسلم:"موتان الأرض لله ورسوله ثم هي لكم مني".
والثاني: أنه عام من أمواله الفيء وأنواع الغنائم وسائر المصالح فخض الموات منه، بقوله صلى الله عليه وسلم: طمن أحيا أرضًا موات فهي له"، وأما الجواب عن قياسه على المعادن فهو ان المعادن أموال في الحال يتوصل إلى أخذها بالعمل فصارت كأموال بيت المال وليس كذلك الموات، لأنه ليس بمال ولو جاز أن يستويا في كونهما مالًا، لأن الموات قد يصير مالًا لكان المعنى في أموال البيت المال أن إذن الإمام فيها محصور، وفي الموات غير محصور، فإذا ثبت أن الموات يجوز بإذن الإمام وبغير إذنه فكل مسلم أحياه من رجل أو امرأة أو صبي أو مجنون فقد ملكه وملك حريمه الذي لا يستغني عنه، فإن خرب بعد إحيائه حتى صار مواتٍا لم يزل عنه ملك ملكه.
وقال مالك: قد زال ملكه بزوال العمارة فإن إحياها غيره كان أحق بها وقد مضى الكلام معه.
مسألة:
قَالَ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى: "سَوَاءٌ كَانَ إِلَى جَنْبِ قَرْيَةٍ عَامِرَةٍ أَوْ حَيْثُ كَانَ وَقَدْ أَقْطَعَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم الدُّورَ فَقَالَ حَيٌّ مِنْ بَنِي زُهْرَةَ يُقَالُ لَهُمْ بَنُو عَبْدِ بْنِ زَهْرَةَ نَكَبَ عَنَّا ابّن أُمِّ عَبْدٍ فَقَالَ لَهُمْ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "فَلِمَ ابْتَعَثَنِي اللهُ إِذَنْ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ لَا يُقَدِّسُ أُمَّةً لَا يُؤْخَذُ فِيهِمْ لِلضَّعِيفِ حَقُّهُ" وَفِي ذَلِكَ دَلَالَةٌ عَلَى أَنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم أَقْطَعَ بِالمَدِينَةِ بَيْنَ ظَهْرَانَيْ عِمَارَةِ الأَنْصَارِ مِنَ المَنَازِلِ وَالنَّخْلِ وَإِنَّ ذَلِكَ لأَهْلِ العَامِرِ وَدَلَالَةٌ عَلَى أَنَّ مَا قَارَبَ العَامِرَ يَكُونُ مِنْهُ مَوَاتٌ".
قال في الحاوي: وهذا صحيح هذه المسألة تشتمل على فصلين: