والثاني: هل يستوي فيه جميع الناس أو يختص به أهل العامر، فأما الفصل الأول في حد الموت فقد اختلف الفقهاء فيه فمذهب الشافعي: أن الموات كله ما لم يكن عامرًا ولا حريمًا لعامر سواء قرب من العامر أو بعد، وقال أبو حنيفة: الموات هو كل أرض لا يبلغها الماء وتبعد من العامر وليس عليها ملك لأحد، وقال أبو يوسف: أرض الموات كل ارض إذا وقف على أدناها من العامر ينادي بأعلى صوته لم يسمعه أقرب الناس إليها في العامر، استدلالًا بما رواه عن أبي بكر بن محمد عن جابر أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:"من أحيا أرضًا دعوة من المصر أو قال فيه من المصر فهي له".
ودليلنا: أن النبي صلى الله عليه وسلم اقتطع بين ظهراني عمارة الأنصار ولأن البلاد المحياة على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم على عهد خلفاء متصلة العمارة متلاحقة الجذور ولو كان على ما قالوا لوجب أن يفصل بين كل عمارتين بما ذكروه من التحديد، وما استدل به من حديث جابر فهو دليل عليه؛ لأن فحواه أن ما قرب من المصر جاز إحياؤه.
فصل:
وأما الفصل الثاني من الموات إذا قرب من العامر فإن الناس كلهم يتساووه في إحيائه ولا يكون أهل العامر أحق به، وقال مالك: أهل العامر أحق بإحيائه من غيرهم، والدلالة عليه عموم قوله صلى الله عليه وسلم: من أحيا أرضًا مواتًا فهي له، ولأن النبي صلى الله عليه وسلم قد اقتطع بين ظهراني عمارة الأنصار لابن مسعود واقتطع المدينة وهو متصل بها، وأقطع للزبير بالبقيع رقض فرسه، وروى علقمة بن نضلة أن أبا سفيان بن حرب قام بفناء داره فضرب برجله وقال: لي سنام الأرض ان لها سنامًا زعم ابن فرقد الأسلمي أني لا أعرف حقي من حقه، لي بياض المروة وله سوادها، ولي ما بين كذا إلى كذا فبلغ ذلك عمر بن الخطاب رضي الله عنه فقال: ليس لأحد إلا ما أحاطت به جدرانه ولا يملك إلا ما حفر أو زرع، ولأن ما يملك أهل العامر لم يكن لهم المنع من إحيائه قياسًا على البعيد من عامره.