عليه ملك واصطفى عمر من أرض السواد أموال كسرى وأهل بيته وما هرب عنه أربابه أو هلكوا فكان مبلغ تسعة ألف ألف فكان يصرفها في مصالح المسلمين ولم يقطع شيئًا ثم إن عثمان رضي الله عنه أقطعها، لأنه رأى اقتطاعها أو فر لغلتها من تعطيلها، وشرط على من أقطعها أن يأخذ منه حق الفيء فكان ذلك منه إقطاع إجازة لا إقطاع تمليك وقد توفرت عليه حتى بلغت خمسين ألف ألف فكانت منها إقطاعًا به وصلاته ثم تناقلها الخلفاء وبعده فلما كان عام الجماجم سنة اثنين وثمانين وفتنة ابن الأشعث لحرق الديوان وأخذ كل قوم ما يليهم، وإذا كان إقطاع الإمام إنما يختص بالموات دون العامرة فالذي يؤثره إقطاع الإمام ان يكون المقطع أولى الناس بإحياته من لم يسبق إلى إحيائه لما كان إذنه وفضل اجتهاده، فلو بادر بإحيائها غير المتقطع فهي ملك للمحيي دون المقطع، وقال أبو حنيفة: إن أحياها قبل مضي ثلاث سنين من وقت الإقطاع فهي المقطع، وإن أحياها بعد ثلاث سنين فهي للمحيي، وقال مالك بن أنس: إن أحياها عالمًا بالإقطاع فهي للمقطع، وإن أحياها غير عالم بالإقطاع خير المقطع بين أن يعطي المحيي نفقة عمارته وتكون الأرض له وبين أن ينرك عليه الأرض ويأخذ قيمتها قبل العمارة، استدلالًا براوية معمر عن ابن أبي نجيح عن عمرو بن شعيب أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أقطع أقواها أرضًا فجاء آخرون في زمان عمر رضي الله عنه حين فرغوا إليه تركتموهم يعملون ويأكلون ثم جئتم تغيرون عليهم؟ لولا أنها قطيعة رسول الله صلى الله عليه وسلم ما أعطيتكم شيئًا، ثم قومها عامرة وقومها غير عامرة ثم قال لأهل الأصل: إن شئتم فردوا عليهم ما بين ذاك وخذوا أرضكم، وإن شئتم ردوا عليكم ثمن أرضكم ثم هي لهم، ودليلنا على أنها ملك المحيي بكل حال دون المقطع قوله صلى الله عليه وسلم:"من أحيا أرضًا مواتًا فهي له" ولأن الإقطاع لا توجب التمليك والإحياء يوجب التمليك فإذا اجتمعا كان ما أوجب التمليك أقوى حكمًا مما لا يوجبه، فأما حديث عمر رضي الله عنه، فقد قال في قضيته: لولا أنها قطيعة رسول الله صلى الله عليه وسلم ما أعطيتكم شيئًا فدل على أن من رأيه أنها للمحيي وإنما عدل عن هذا الرأي لما توجه إليها من إقطاع رسول الله صلى الله عليه وسلم فكره أن يبطلهن فاستنزل الخصمين إلى ما قضى به مرضاة لا جبرًا، فأما إن كان المقطع قد جحرها وجمع ترابها حتى تميزت عن غيرها فجاء غيره فجمعها وحرثها نظر فإن كان المقطع مقيمًا على عمارتها حتى تغلب عليها الثاني فعمرها فهي للأول، ويكون الثاني متطوعًا بعمارته، وإن كان المقطع قد ترك عمارتها فعمرها الثاني فهي للثاني دون الأول، وهكذا لو كان الأول قد بدأ بالعمل من غير إقطاع، فهذا الإقطاع.
فصل:
وأما الحمى فهو المنع من إحياء الموات ليتوفر فيه الكلأ فترعاه المواشي، لأن