للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

الحمى في كلامهم هو المنع. ولذلك قال النبي صلى الله عليه وسلم: جنب المؤمن من حمى، والحمى على ثلاثة أضرب: حماة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وضرب حماة الإمام بعده، وضرب حماة غيره من عوام المسلمين.

فأما رسول الله صلى الله عليه وسلم فقد روي أنه وقف على جبل البقيع يقال له يعمل فصلى عليه ثم قال: هذا حماي وأشار بيده إلى البقاع، وهو قدر ميل في ستة أميال ما بين يعمل إلى ثلاثين، فحماه لخيل المسلمين والمهاجرين؛ ولأن اجتهاد رسول الله صلى الله عليه وسلم في أمته أمضى وقضائه فيهم أنفذ، وكان ما حماه لمصالحهم أولى أن يكون مقرًا من إحيائهم وعمارتهم.

فصل:

وأما حمى الإمام بعده، فإن أراد الحمى لنفسه أو لأهله أو للأغنياء خصوصًا لم يجز وكان ما حماه باحًا لمن أحياه، وإن أراد يحمي لخيل المجاهدين ونعم الجزية والصدقة ومواشي الفقراء نظر فإن كان الحمى يضر بكافة المسلمين وأغنيائهم لضيق الكلأ عليهم بحمى أكثر مواتهم لم يجز وإن كان لا يضر بهم لأنه قليل من كثير يكتفي المسلمون بما بقى من مواتهم ففيه قولان:

أحدهما: لا يجوز أن يحمي، لرواية مجاهد عن ابن عباس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: المسلمون شركاء في ثلاث: الماء والنار والكلأ وثمنه حرام.

روى عبيد الله بن عبد الله بن عباس عن الصعب بن جثامة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم حمى البقيع وقال: "لا حمى إلا لله ولرسوله".

والثاني: يجوز له أن يحمي، لما فيه من صلاح المسلمين، ولما روي أن أبا بكر رضي الله عنه حمى بالربذة لإبل الصدقة واستعمل عليه مولاه أبو أسامة وتولاه عليه قرط بن مالك، وحمى عمر بن الخطاب رضي الله عنه الشرف فحمى منه نحو ما حمى أبو بكر رضي الله عنه بالربذة وولى عليه مولى له يقال له هني وقال: يا هني اضمم جناحك عن الناس واتق دعوة المظلوم فإن دعوة المظلوم مجابة، وادخل رب الصريمة ورب الغنيمة، وإياك ونعم ابن عفان ونعم ابن عوف فإنهما إن تهلك ماشيتها يرجعان إلى نخل وزرع وإن رب الصريمة والغنيمة يأتيني بعياله فيقول: يا أمير المؤمنين: يا أمير المؤمنين: أتاركهم أنا؟ لا أبا لك فالكلأ أهون على الدينار والدرهم وأيم الله نودي أني قد طلحتهم إنما أكلأهم والذي نفسي بيده لولا المال الذي أحمله عليه في سبيل الله ما حميت عليهم من بلادهم شبرًا. فأما قوله: "المسلمون شركاء في ثلاث" فهو عام خص منه الحمى على أن الحمى يشرك فيه المسلمون، لأن نفع الحمى يعود على كافتهم من الفقراء والأغنياء، أما الفقراء فلأنه مرعى صدقاتهم، وأما الأغنياء فلخيل المجاهدين عنهم، وأما قوله: لا حمى إلا فمعنا لا حمى إلا أن يقصد به وجه الله كما فعل

<<  <  ج: ص:  >  >>