رسول الله صلى فيسلم فيما حماه للفقراء المسلمون وفي مصالحهم وخالف فيه فعلى الجاهلية فإن العربي في الجاهلية كانوا إذا استولى على بلد أو في بكلب فجعله على جبل أو على شيء من الأرض واستعواه فحيث انتهى عواه حماه لنفسه فلا يرعى فيه غيره ويشارك الناس فيما سواه، وهكذا كان كليب بن وائل إذا أعجبته روضة ألقى فيها كلبًا وحمى إلى منتهى عوائه، وفيه يقول معبد بن شعبة الضبي كفعل كليب كنت أنبئت أنه مخطط أكلأ المياة ويمنع وقال العباس بن مرادس كما بغيها كليب لظلمة من العز حتى ضاع وهو قتلها على وائل أن يترك الكلب هائجًا وإذ يمنع الأكلأ منها حولها.
فصل:
وأما حمى الواحد من عوام المسلمين فمحظور وحماه مباح، لأنه إن حمى لنفسه فقد تحكم وتعدى يمنعه، وإن حماه للمسلمين فليس من أهل الولاية عليهم ولا فيمن يؤثر اجتهاده لهم، وقد روى أبو هانئ عن أبي سعيد عن أبي هريرة قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "لا تمانعوا فضل الماء ولا فضل الكلأ فيعزل الماء ويجوه العيال" فلو أن رجلًا من عوام المسلمين حمى مواتًا ومنع الناس منه زمانًا رعاه وحده ثم ظهر الإمام عليه ورفع يده عنه ولم يغرم ما رعاه، لأنه ليس لمالك ولا يعزره لأنه أحد مستحقيه ونهاه تعديه، فأما أمير البلد ووالي الإقليم إذا رأى أن يحمي لمصالح المسلمين كالإمام فليس له ذلك إلا بإذن الإمام، لأن اجتهاد الإمام أعم، ولكن لو أن والي الصدقات اجتمعت معه مواشي الصدقة وقل المرعى لها وخاف عليها التلف إن لم يحم الموات لها فإن منع الإمام من الحمى كان والي الصدقات أولى، وإن جوز الإمام الحمى ففي جوازه لوالي الصدقات عندما ذكرنا من حدوث الضرورة به وجهان:
أحدهما: يجوز كما يجوز من غير الضرورة فعلى هذا يتعزر الحمى بزمان الضرورة ولا يستديم بخلاف حمى الإمام.
والثاني: لا يجوز أن يحمي، لأنه ليس له أن يرفع الضرر عن أموال الفقراء، بإدخال الضرر على الأغنياء ويكون الضرر إن كان بالفريقين معًا وهذا أصح الوجهين والله أعلم.
مسألة:
قَالَ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللهُ تَعَالَى:"وَلَيْسَ لأَحَدٍ أَنْ يُعْطي وَلَا يَاخُذَ مِنَ الَّذي حَمَاهُ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم فَإِنْ أُعْطِيَهُ فَعَمَّرَهُ نُقِضَتْ عِمَارَتُهُ".
قال في الحاوي: وهذا صحيح أما حمى رسول الله صلى الله عليه وسلم فلا يجوز أن يمكن أحد من إحيائه، فإن أحياه إنسان لم يخل خال السبب الذي حماه من أجله من مواشي الفقراء ونعم بعلاقات من أن يكون باقيًا أو زائلًا، فإن السبب باقيًا والحاجة إليه ماسة فإحياؤه مردود وعمارته منقوضة وهو على ما حياه بمنع الناس كلهم من إحيائه، لأن حكم رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يجوز أن يتعقب بنقض، ولا أن يعترض عليه بإبطال، وإن كان السبب